للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السجودِ في هذا الموضعِ اسمٌ للصلاةِ لا للسجودِ؛ لأن التلاوةَ لا تكونُ في السجودِ ولا في الركوعِ، فكأنَّ معنى الكلامِ كان (١) عندَه: يتلون آياتِ اللهِ آناءَ الليلِ وهم يُصلُّون.

وليس المعنى على ما ذهَب إليه، وإنما معنى الكلامِ: مِن أهلِ الكتابِ أمةٌ قائمةٌ يَتْلُون آياتِ اللَّهِ آناءَ الليلِ في صلاتِهم، وهم مع ذلك يَسْجُدون فيها. فالسجودُ هو السجودُ المعروفُ في الصلاةِ.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)﴾.

يعنى بقولِه: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾: يُصَدِّقون باللهِ وبالبعثِ بعدَ المماتِ، ويَعْلَمون أن اللهَ مُجازِيهم بأعمالِهم، وليسوا كالمشركين الذين يَجْحَدُون وحدانيةَ اللَّهِ، ويَعْبُدون معه غيرَه، ويُكَذِّبون بالبعثِ بعدَ المماتِ، ويُنكرون المجازاةَ على الأعمالِ، والثوابَ والعقابَ.

وقولُه: ﴿وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾. يقولُ: ويَأْمُرون الناسَ بالإيمانِ باللهِ ورسولِه وتصديقِ محمدٍ [وما] (٢) جاءهم به. ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. يَقُولُ: ويَنْهونَ الناسَ عن الكفرِ باللهِ وتكذيبِ محمدٍ وما جاءهم به مِن عندِ اللهِ. يعني بذلك أنهم ليسوا كاليهودِ والنصارى الذين يَأمُرون الناسِ بالكفرِ باللهِ وتكذيبِ محمدٍ فيما جاءهم به، ويَنْهونَهم عن المعروفِ مِن الأعمالِ، وهو تصديقُ محمدٍ فيما أتاهم به مِن عندِ اللَّهِ، ﴿وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾. يقولُ: ويَبْتَدِرون فعلَ الخيراتِ؛ خشيةَ أن يَفُوتَهم ذلك قبلَ معاجَلتهم مَنَاياهم.


(١) سقط من: م، ت ٢، ت ٣.
(٢) في الأصل: "بما".