للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قدَّره كُتِب، وغاب عليه، فسمَّاه الغيب وأمَّ الكتابِ، وخلَق الخلَق على ذلك الكتابِ، أرزاقَهم، وآجالَهم، وأعمالَهم، وما يُصِيبُهم مِن الأشياء؛ مِن الرخاءِ والشدةِ، مِن الكتابِ الذي كتبه أنه يُصِيبُهم، وقرأَ: ﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾. حتى إذا نفد ذلك ﴿إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: ٣٧]. وأمرُ اللهِ الذي ائْتَمر قدَّره حيَن قدَّره مُقَدِّرًا، فلا يَكونُ إلا ما في ذلك، وما في ذلك الكتابِ، وفى ذلك التقديرِ، ائْتَمر أمرًا، ثم قدَّره، ثم خلَق عليه، فقال: كان أمرُ اللَّه الذي مضَى وفرغ منه، وخلَق عليه الخلقَ ﴿قَدَرًا مَقْدُورًا﴾: شاء أمرًا لتَمْضِىَ به أمرُه وقدره، وشاء أمرًا يرضاه مِن عبادِه في طاعتِه، فلمَّا أن كان الذي شاءِ مِن طاعتِه لعبادِه رضِيَه لهم، ولما أن كان الذي شاء أراد أن يَنْفُذَ فيه أمرُه وتدبيرُه وقدرُه، وقرَأ: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ [الأعراف:١٧٩]. فشاء أن يكون هؤلاء مِن أهلِ النارِ، وشاء أن تكونَ أعمالهم أعمالَ أهلِ النارِ، فقال: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ [الأنعام:١٠٨]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧]. هذه أعمالُ أهلِ النارِ، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ﴾. قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢]. وقرَأ: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٠٩] إلى: ﴿كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١١١] أن يُؤْمِنوا بذلك، قال: فأَخْرَجوه مِن اسمِه الذي تَسَمَّى به. قال: هو الفعَّال لما يُريدُ، فزعموا أنه ما أراد.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)﴾.