للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعنى جل ثناؤُه بقولِه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: نَصِيرُهم وظَهِيرُهم، يَتَوَلّاهم بعَوْنِه وتوفيقِه، ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ يَعنى بذلك: يُخْرِجُهم من ظُلُماتِ الكفرِ إلى نورِ الإيمانِ. وإنما عنَى بالظُّلُماتِ في هذا الموضعِ الكفرَ، وإنما جعَل الظُّلُماتِ للكفرِ مَثَلًا؛ لأن الظُّلُمَاتِ حاجبةٌ للأبصارِ عن إدراكِ الأشياءِ وإثباتِها، وكذلك الكفرُ حاجبٌ أبصارَ القلوبِ عن إدراكِ حقائقِ الإيمانِ، والعلمِ بصحتِه وصحةِ أسبابِه، فأخبَر تعالى ذكرُه عبادَه أنه وَلِيُّ المؤمنين، ومُبَصِّرُهم حقيقةَ الإيمانِ وسُبُلَه وشرائعَه وحُجَجَه، وهادِيهم، فمُوَفِّقُهم لأَدِلَّتِه المُزِيلةِ عنهم الشكوكَ، بكَشْفِه عنهم دواعِىَ الكفرِ وظُلَمَ سواترِه (١) أبصارَ القلوبِ. ثم أخبَر تعالى ذكرُه عن أهلِ الكفرِ به، فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يَعنى الجاحدِين وَحْدانِيَّتَه ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ﴾ يعنى: نُصَراؤُهم وظُهَراؤُهم الذين يَتَوَلَّوْنهم ﴿الطَّاغُوتُ﴾ يعنى: الأندادُ والأوثانُ الذين يَعْبُدُونهم من دونِ اللَّهِ، ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ يَعنى بالنورِ الإيمانَ، على نحوِ ما بَيَّنَّا ﴿إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ ويَعنى بالظُّلُماتِ ظُلُماتِ الكفرِ وشكوكَه الحائلةَ دونَ إبصارِ القلوبِ، ورؤيةِ ضياءِ الإيمانِ، وحقائقِ أَدِلَّتِه وسُبُلِه.

وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك

حدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾. يقولُ: مِن الضَّلالةِ إلى الهُدَى، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾: الشيطانُ ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ


(١) في م: "سواتر".