للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونصبِ الهاءِ، غيرَ أنه كان يَرْفَعُه بالياءِ التى يُحْدِثُها في أولِ "تشَابَهَ" التى تأتى بمعنى الاستقبالِ، وتُدْغَمُ التاءُ في الشينِ، كما فعَله القارئُ في (تَشَّابَهُ) بالتاءِ والتشديدِ.

والصوابُ في ذلك مِن القراءةِ عندَنا: ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾. بتخفيفِ شينِ "تَشَابَهَ" ونصبِ هائِه، بمعنى "تَفَاعَلَ"، لإجماعِ الحُجُّةِ مِن القَرَأةِ على تَصْويبِ ذلك ورفعِهم (١) ما سواه مِن القراءاتِ، ولا يُعْتَرَضُ على الحُجَّةِ بقولِ مَن يَجُوزُ عليه فيما نقَل السهوُ والغَفْلةُ والخطأُ.

وأما قولُه: ﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ﴾. فإنهم عنَوْا: وإنا إن شاء اللهُ لمُبَيَّنٌ لنا ما الْتَبَس علينا وتَشَابَهَ مِن أمرِ البقرةِ التى أُمِرْنا بذبحِها. ومعنى "اهْتِدائِهم" في هذا الموضعِ معنى "تَبَيُّنِهم" أىُّ ذلك الذى لزِمهم ذَبْحُه مما سواه مِن أجناسِ البقرِ.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾.

وتأويلُ ذلك: قال موسى: إن اللهَ يقولُ: إن البقرةَ التى أمَرْتُكم بذبحِها بقرةٌ لا ذَلولٌ. ويعنى بقولِه: ﴿لَا ذَلُولٌ﴾. أى: لم يُذَلِّلْها العملُ. فمعنى الآيةِ: إنها بقرةٌ لم تُذَلِّلْها إثارةُ الأرضِ بأظْلافِها، ولا سُنِىَ عليها (٢) الماءُ، فيُسْقَى عليها الزرعُ، كما يقالُ للدابةِ التى قد ذلَّلها الركوبُ أو العملُ: دابةٌ ذَلولٌ بَيِّنةُ الذِّلِّ. بكسر الذَّالِ، ويُقالُ في مثلِه مِن بنى آدمَ: رجلٌ ذَليلٌ بَيِّنُ الذِّلِّ والذِّلَّةِ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ﴾. يقولُ: صعبةٌ لم يُذِلَّها عملٌ، ﴿تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ (٣).


(١) كذا بالنسخ، ولعل الصواب: "دفعهم".
(٢) سنِيت الدابة وغيرها تسنَى: إذا سقى عليها. اللسان (س ن ى).
(٣) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٤١ (٧٢٧) من طريق شيبان، عن قتادة. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٧٨ إلى عبد بن حميد.