للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صدورُهم عن قتالِكم وقتال قومهم - عليكم أيُّها المؤمنون، فقاتَلوكم مع أعدائكم من المشركين، ولكنَّ الله تعالى ذكره كفَّهم عنكم. يقولُ جل ثناؤُه: فأطيعوا الذي أنعَم عليكم - بكفِّهم عنكم، مع سائر ما أنعَم به عليكم - فيما أمركم به من الكفِّ عنهم إذا وصلوا إلى قوم بينَكم وبينَهم ميثاقٌ، أو جاءُوكم حصرَت صدورُهم عن قتالِكم وقتالِ قومِهم. ثم قال جل ثناؤُه: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ﴾. يقولُ: فإِن اعْتَزَلكم هؤلاء الذين أمَرْتُكم بالكفِّ عن قتالِهم من المنافقين، بدخولهم في أهل عهدكم، أو بمصيرهم إليكم حصِرةً (١) صدورُهم عن قتالِكم وقتالِ قومِهم، ﴿فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾. يقولُ: وصالَحوكم. والسَّلَم هو الاستسلامُ. وإنما هذا مثلٌ، كما يقولُ الرجلُ للرجلٍ: أعطيتُك قيادى، وألقيتُ إليك خطامى إذا استسلم له وانقاد لأمره. فكذلك قولُه: ﴿وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾. إنما هو: والْقَوْا إليكم قيادهم فاسْتَسْلَموا لكم؛ صلحًا منهم لكم وسَلَمًا. ومِن السَّلَمِ قولُ الطِّرِمَّاح (٢):

وذاك أن تميمًا غادَرَت سَلَمًا … للأشد كلَّ حَصانٍ وَعْنَةِ (٣) اللَّبَدِ (٤)

يعنى بقوله: سَلَمًا: اسْتِسْلامًا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني المثنى، قال: ثنا ابن أبى جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيع: ﴿فَإِنِ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "حضرت".
(٢) ديوانه ص ١٦١.
(٣) الوعثة: كثيرة اللحم، كأن الأصابع تسوخ فيها من لينها وكثرة لحمها. اللسان (و ع ث).
(٤) في الأصل: "الكبد"، غير منقوطة، وفى الأصل المخطوط من الديوان: "الكبد". واللبد: جمع لبدة: وهى داخل الفخذ. التاج (ل ب د).