للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. قال: الذكرُ القرآنُ (١). وقرأ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وقرَأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ الآية [فصلت: ٤١].

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: أرسلنا بالبيناتِ والزُّبُرِ رجالًا نُوحِى (٢) إليهم.

فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ﴾؟ وما الجالبُ لهذه الباءِ في قولِه: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ فإن قُلتَ (٣): جالِبُها قولُه: ﴿أَرْسَلْنَا﴾. وهى مِن صلتِه. فهل يجوزُ أن تكون صلةُ ﴿وَمَا﴾ قبلَ ﴿إِلَّا﴾، بعدَها؟؛ وإن قلتَ: جالبُها غيرُ ذلك. فما هو، وأين الفعلُ الذي جلَبها؟

قيل: قد اختلَف أهلُ العربيةِ في ذلك؛ فقال بعضُهم: الباءُ التي في قولِه: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ من صلة ﴿أَرْسَلْنَا﴾. قال (٤): ﴿إِلَّا﴾ في هذا الموضعِ، ومع الجحدِ والاستفهامِ في كلِّ موضعٍ، بمعنى "غَيْر". وقال: معنى الكلامِ: وما أرسلنا من قبلِك بالبيناتِ والزُّبُرِ غيرَ رجالٍ نُوحِى إليهم. ويقولُ على ذلك: ما ضَرَب إلا أخوك زيدًا. وهل كلَّم إلا أخوك عَمْرًا؟ بمعنى: ما ضَرَب زيدًا غيرُ أخيك. وهل كلَّم عَمْرًا إلا أخوك. ويَحْتجُّ في ذلك بقولِ أَوْسِ بن حَجَرٍ (٥):


(١) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٥/ ٤٩٣ بلفظ: "أهل القرآن"، وابن كثير في تفسيره ٤/ ٤٩٢، والزيادة الآتية من بقية الأثر ليست عندهما.
(٢) في ص: "يوحى" غير منقوطة، وفى ت ١ غير واضحة، وفى ت ٢، ف: "يوحى".
(٣) ينظر ما سيذكره المصنف هنا وفى الصفحة القادمة، ومعاني القرآن ٢/ ١٠٠، ١٠١.
(٤) في م: "وقال".
(٥) ديوانه ص ٢١، وينظر معاني القرآن ٢/ ١٠١.