للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فاصْبِرْ [يا محمدُ] (١) ﴿صَبْرًا جَمِيلًا﴾. يعنى: صبرًا لا جَزَعَ فيه. يقولُ له: اصْبِرْ على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثْنِيك ما تَلْقَى منهم من المكروهِ عن تبليغِ ما أمرك ربُّك أن تُبَلِّغَهم من الرسالةِ.

وكان ابنُ زيدٍ يقولُ فى ذلك ما حدَّثني به يونُسُ، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ فى قولِه: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾. قال: هذا حينَ كان يَأْمُرُه بالعفوِ عنهم، لا يُكافِئُهم، فلمَّا أُمِرَ بالجهادِ والغِلْظةِ عليهم، أمِر بالشدةِ والقتلِ حتى يَتْرُكوا، ونُسِخ هذا.

وهذا الذي قاله ابنُ زيدٍ أنه كان أُمِر بالعفوِ بهذه الآيةِ، ثم نُسِخ ذلك، قولٌ لا وجهَ له؛ لأنه لا دلالةَ على صحةِ ما قال، من بعضِ الأوجهِ التي تَصِحُّ منها الدَّعاوَى، وليس فى أمرِ اللهِ نبيَّه فى الصبرِ الجميلِ على أذى المشركين، ما يُوجِبُ أن يكونَ ذلك أمرًا منه له به فى بعضِ الأحوالِ، بل كان ذلك أمرًا مِن اللهِ له به فى كلِّ الأحوالِ؛ لأنه لم يَزَلْ مِن لَدُنْ بعَثَه اللهُ إلى أن اخْتَرَمه في أذًى منهم، وهو في كلِّ ذلك صابرٌ على ما يَلْقَى منهم من أذًى، قبل أن يَأْذَنَ اللهُ له بحربِهم، وبعدَ إذنِه له بذلك.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ﴾

يقولُ تعالى ذكرُه: إنَّ هؤلاء المشركين يَرَوْن العذابَ الذي سأَلوا عنه، الواقعَ


(١) سقط من: م.