للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والطبعِ على قلبِه وسمعِه، بل أخْبَر أن لجميعِهم منه عذابًا عظيمًا على تركِهم طاعتَه فيما أمَرهم به ونهاهم عنه من حدودِه وفرائضِه، مع حَتْمِه القضاءَ عليهم مع ذلك أنهم (١) لا يؤمنون.

القولُ في تأويلِ قولِه جَلَّ ثناؤُه: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾.

قال أبو جعفرٍ: وقولُه: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾. خبرٌ مبتدأٌ بعدَ تمامِ الخبرِ عمَّا ختَم اللَّهُ عليه مِن جوارحِ الكفارِ الذين مَضَت قصصُهم، وذلك أَنَّ ﴿غِشَاوَةٌ﴾ مرفوعةٌ بقولِه: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ﴾. فذلك دليلٌ على أنه خبرٌ مبتدأٌ، وأن قولَه: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. قد تناهَى عندَ قولِه: ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾. وذلك هو القراءةُ الصحيحةُ عندَنا لمَعْنَيين:

أحدُهما: اتفاقُ الحُجَّةِ مِن القرأَةِ والعلماءِ على الشهادةِ بتصحيحِها، وانفرادُ المخالفِ لهم في ذلك، وشذوذُه عمَّا هم على تَخطئتِه مجمِعون، وكفَى بإجماعِ الحُجَّةِ على تَخطئةِ قراءةٍ (٢) شاهدًا على خطئِها.

والثاني: أن الختمَ غيرُ موصوفةٍ به العيونُ في شيءٍ مِن كتابِ اللَّهِ (٣)، ولا في خبرٍ عن رسولِ اللَّهِ ، ولا موجودٍ في لغةِ أحدٍ مِن العربِ، وقد قال اللَّهُ جلَّ ثناؤُه في سورةٍ أخْرى: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ﴾. ثم قال: ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣]. فلم يُدْخِلِ البَصَرَ في معنى الختمِ، وذلك هو المعروفُ في (٤) كلامِ العربِ، فلم يَجُزْ لنا ولا لأحدٍ مِن الناسِ القراءةُ بنصبِ الغِشاوةِ (٥)؛ لِما وصفتُ


(١) في م: "بأنهم".
(٢) في م: "قراءته".
(٣) زيادة من: م.
(٤) في ص: "من".
(٥) وبنصب الغشاوة قرأ المفضل عن عاصم. السبعة لابن مجاهد ص ١٣٨، ١٣٩.