للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن العِلَّتين اللتين ذكَرْتُ، وإن كان لنصبِها مَخْرَجٌ معروفٌ في العربيةِ.

وبما قلنا في ذلك من القولِ والتأويلِ رُوي الخبَرُ عن ابنِ عباسٍ.

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثني عمي الحسينُ بنُ الحسنِ، عن أبيه، عن جدِّه، عن ابنِ عباسٍ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾: والغِشاوةُ على أبصارِهم (١).

فإن قال قائلٌ: وما وجهُ مَخْرَجِ النَّصْبِ فيها؟

قيل له: [أن تَنْصِبَها] (٢) بإضمارِ "جعَل"، كأنه قال: وجعَل على أبصارِهم غشاوةً. ثم أسْقَط "جعَل"، إذ كان في أولِ الكلامِ ما يدلُّ عليه. وقد يَحْتَمِلُ نصبُها على إتباعِها موضعَ السمعِ، إذ كان مَوضِعُه نصبًا، وإن لم يكنْ حسَنًا إعادةُ العاملِ فيه على ﴿غِشَاوَةٌ﴾ ولكنْ على إتباعِ الكلامِ بعضِه بعضًا، كما قال: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ﴾. ثم قال: (وفاكهةٍ ممّا يتخيرون * ولحمِ طيرٍ ممّا يشتهون * [وَحُورٍ عِينٍ] (٣)) [الواقعة: ١٧ - ٢٢]. فخفَض اللحمَ والحورَ العينَ (٤) على العطفِ به على الفاكهةِ؛ إتباعًا لآخرِ الكلامِ أوَّلَه. ومعلومٌ أن اللحمَ لا يُطافُ به ولا بالحورِ العينِ (٤)، ولكن ذلك (٥) كما قال الشاعرُ يصفُ فرسَه (٦):


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٤١ (١٠٠) عن محمد بن سعد به.
(٢) في ر، ت ٢: "أن ينصبها"، وفي م: "أن نصبها".
(٣) ضبطهما في النسخة: "ر" بالرفع وبالخفض، والخفض شاهد المصنف، وهو قراءة حمزة والكسائي، ورواية الفضل عن عاصم، وقرأ الباقون بالرفع. السبعة لابن مجاهد ص ٦٢٢.
(٤) سقط من: ص، م.
(٥) سقط من: ص.
(٦) معاني القرآن للفراء ١/ ١٤ وقال: أنشدني بعض بني أسد يصف فرسه. وفي الخزانة ٣/ ١٣٩، ١٤٠: ولا يعرف قائله، ورأيت في حاشية نسخة صحيحة من الصحاح أنه لذي الرمة، ففتشت ديوانه فلم أجده فيه.