للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويَأْتُون ما حرَّم اللهُ، ﴿سَيُجْزَوْنَ﴾. يقولُ: سيُثِيبُهم اللهُ يومَ القيامةِ بما كانوا في الدنيا يَعْمَلُون مِن مَعاصِيه.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)﴾.

يعني بقولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾: لا تَأْكُلوا أيُّها المؤمنون مما مات فلم تَذْبَحوه أنتم، أو يَذْبَحْه مُوَحِّدٌ يَدِينُ اللهِ بشرائعَ شرَعها له في كتابٍ مُنَزَّلٍ، فإنه حرامٌ عليكم، ولا ما أُهِلَّ به لغيرِ اللهِ مما ذبَحه المشركون لأوثانِهم، فإن أكْلَ ذلك فسقٌ، يعني: معصيةُ كفرٍ.

فكنَى بقولِه: ﴿وَإِنَّهُ﴾ عن الأكلِ، وإنما ذكَر الفعلَ، كما قال: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ [آل عمران: ١٧٣].

يُرادُ به: فزاد قولُهم ذلك إيمانًا. فكنَى عن القولِ، وإنما جرَى ذكرُه بفعلٍ.

﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ اخْتَلَف أهلُ التأويل في المعنيِّ بقولِه: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾؛ فقال بعضُهم: عُنِي بذلك شياطينُ فارسَ ومَن على دينِهم مِن المجوسِ ﴿إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ مِن مَرَدةِ مشركي قريشٍ، يُوحُون إليهم زُخْرفَ القولِ بجدالِ (١) نبيِّ اللهِ وأصحابِه في أكلِ الميتةِ.

ذكرُ مِن قال ذلك

حدَّثني عبدُ الرحمنِ بنِ بشرِ بنِ الحكمِ النيسابوريُّ، قال: ثنا موسى بنُ عبدِ العزيزِ القِنْباريُّ، قال: ثنا الحكمُ بنُ أبانٍ، عن عكرمةَ: لما نزَلَت هذه الآيةُ، تحريمَ الميتةِ، قال: أوْحَت فارسُ إلى أوليائِها مِن قريشٍ أن خاصِموا محمدًا - وكانت


(١) في م: "ليصل إلى".