للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى بذلك تعالى ذكرُه: هذا كتابٌ أنزلْناه إليك يا محمدُ لتنذِرَ به مَن أمرتُك بإنذارِه، وذِكْرَى للمؤمنين. وهو (١) من المؤخَّرِ الذي معناه التقديمُ، ومعناه: كتابٌ أُنزِل إليك لتُنْذرَ به وذِكْرَى للمؤمنين، فلا يكنْ في صدرِك حَرَجٌ منه.

وإذا كان ذلك معناه، كان موضعُ قولِه: ﴿وَذِكْرَى﴾ نصبًا، بمعنى: أَنزَلنا إليك هذا الكتاب لتُنذِرَ به وتُذَكِّر به المؤمنين. ولو قيل: معنى ذلك: هذا كتابٌ أُنزِل إليك فلا يكنْ في صدرِك حَرَجٌ منه أن تُنْذِرَ به وتُذَكِّرَ به المؤمنين - كان قولًا غيرَ مدفوعةٍ صحتُه. وإذا وُجّه معنى الكلامِ إلى هذا الوجهِ، كان في قوله: ﴿وَذِكْرَى﴾. من الإعرابِ وجهان؛ أحدُهما، النصبُ بالرّد على موضع ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ﴾. والآخرُ، الرفعُ عطفًا على "الكتابِ"، كأنه قيل: المص، كتابٌ أُنزل إليك وذِكْرى للمؤمنين.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٣)﴾.

يقولُ جلّ ثناؤه لنبيّه محمدٍ : قلْ يا محمدُ لهؤلاء المشركين مِن قومِك الذين يعبُدون الأوثانَ والأصنامَ: اتَّبِعوا أيُّها الناسُ ما جاءكم مِن عندِ ربِّكم بالبيناتِ والهُدى، واعمَلوا بما أمَرَكم به ربُّكم، ولا تَتَّبِعُوا شيئًا من دونه. يعني: شيئًا غيرَ ما أَنزَل إليكم ربُّكم. يقولُ: لا تَتَّبعوا أمرَ أوليائِكم الذين يأمُرُونكم بالشركِ باللهِ وعبادةِ الأوثانِ، فإنهم يُضِلُّونكم ولا يَهْدونكم.

فإن قال قائلٌ: وكيف قلتَ: معنى الكلامِ: قل: اتَّبِعوا. وليس في الكلامِ موجودًا ذكرُ القولِ؟

قيل: إنه وإن لم يكنْ مذكورًا صريحًا، فإن في الكلامِ دلالةً عليه، وذلك


(١) في ف: "هذا".