للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضَّحَّاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. يقولُ: أفلا تَفقهون. فنهاهم عن هذا الخُلُقِ القَبيحِ (١).

وهذا يَدُلُّ على صحةِ ما قلْنا مِن أمرِ أحْبارِ يهودِ بني إسرائيلَ غيرَهم باتِّباعِ محمدٍ ، وأنهم كانوا يَقُولون: هو مَبعوثٌ إلى غيرِنا. كما ذكَرْنا قبلُ.

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾.

قال أبو جعفرٍ: يعني بقولِه تعالى ذكرُه: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾: واستَعِينوا على الوفاءِ بعهدى الذي عاهَدتموني في كتابِكم -مِن طاعتى واتباعِ أمرى، وتركِ ما تَهْوَوْنه مِن الرِّياسةِ وحبِّ الدنيا، إلى ما تَكْرَهونه مِن التسليمِ لأمْرِي، واتباعِ رسولي محمدٍ - بالصبرِ عليه والصلاةِ.

وقد قيل: إن معنى الصبرِ في هذا الموضعِ الصومُ، والصومُ بعضُ معاني الصبرِ [عندَنا، بل تأويلُ] (٢) ذلك عندَنا أن اللهَ تعالى ذكرُه أمَرهم بالصبرِ على كُلِّ ما كرِهَتْه نفوسُهم مِن طاعةِ اللهِ وترْكِ مَعاصِيه.

وأصلُ الصبرِ منعُ النفسِ مَحابَّها وكفُّها عن هَواها؛ ولذلك قيل للصابرِ على المصيبةِ: صابرٌ، لكفِّه نفسَه عن الجَزَعِ. وقيل لشهرِ رمضانَ: شهرُ الصَّبرِ، لصبرِ صائميه عن المَطاعِمِ والمشَارِبِ نهارًا. وصَبرُه إياهم عن ذلك: حَبْسُه لهم وكفُّه إياهم عنه، كما تَصْبِرُ الرجلَ المسئَ للقتلِ، فتَحْبِسُه عليه حتى تَقْتُلَه، ولذلك قيل: قتَل فلانٌ فلانًا صَبْرًا. يعني به: حبَسه عليه حتى قتَله، فالمقتولُ مَصْبورٌ، والقاتلُ صابرٌ.

وأما الصلاةُ فقد ذكَرْنا معناها فيما مضَى (٣).


(١) تقدم أوله في ص ٦١٤.
(٢) في ص: "عند تأويل من تأول".
(٣) ينظر ما تقدم في ص ٢٤٨، ٢٤٩.