للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سألوا رسولَ اللهِ عن البَحيرةِ والسائبةِ (١).

وأَوْلى الأقوالِ بالصوابِ في ذلك قولُ مَن قال: نزَلت هذه الآيةُ من أجلِ إكثارِ السائلين رسولَ اللهِ المسائلَ، كمسألةِ ابن حُذافةَ إياه مَنِ أبوه، ومسألةِ سائلِه - إذ قال: "إن الله فرَض عليكم الحجَّ" - أفى كلِّ عامٍ؟ وما أَشْبَهَ ذلك من المسائلِ؛ لتظاهرِ الأخبارِ بذلك عن الصحابةِ والتابعين وعامةِ أهل التأويلِ.

وأما القولُ الذي رواه مجاهدٌ عن ابن عباسٍ فقولٌ غيرُ بعيدٍ من الصوابِ، ولكنَّ الأخبارَ المتظاهرةَ عن الصحابةِ والتابعين بخلافِه، وكرِهنا القولَ به من أجلِ ذلك، على أنه غيرُ مُسْتَنْكَرٍ أن تكونَ المسألةُ عن البحيرةِ والسائبةِ والوصيلةِ والحامِ، كانت فيما سألوا النبيَّ عنه من المسائلِ التي كرِه اللهُ لهم السؤالَ عنها، كما كرِه لهم المسألةَ عن الحجِّ؛ أكلَّ عامٍ هو؟ أم عامًا واحدًا؟ وكما كرِه لعبدِ اللهِ بن حُذافةَ مسألتَه عن أبيه، فنزَلت الآيةُ بالنهْيِ عن المسائلِ كلِّها، فأَخْبَر كلُّ مُخبرٍ منهم ببعضِ ما نزَلت الآيةُ من أجلِه و (٢) أجلِ غيرِه.

وهذا القولُ أَوْلَى الأقوالِ في ذلك عندِى بالصحةِ؛ لأن مخارجَ الأخبارِ بجميعِ المعاني التي ذكَرتُ صِحاحٌ، فتوجيهُها إلى الصوابِ من وجوهِها أَوْلَى.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه للذين نهاهم من أصحابِ رسولِ اللهِ عن مسألةِ رسولِ اللهِ عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه، من فرائضَ لم يَفْرِضْها اللهُ عليهم،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٢١٨ (٦٨٧٩)، والطحاوى في شرح مشكل الآثار ٤/ ١١٨ من طريق عبد الكريم، عن عكرمة وسعيد بن جبير، وعندهما زيادة قول مقسم، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٣٦ إلى أبي الشيخ.
(٢) في م: "أو".