للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصلُها عربيٌّ، غيرَ أنها وقَعَت إلى سائرِ أجناسِ الأممِ غيرِها، فنطَقَت كلُّ أُمَّةٍ منها ببعضِ ذلك بألسنتِها، مِن الوجهِ الذي يَجِبُ التسليمُ له؟ فلن يَقولَ في شيءٍ مِن ذلك قولًا إلا أُلْزِم في الآخرِ مثلَه.

فإن اعْتَلَّ في ذلك بأقوالِ السلفِ التي قد ذكَرْنا بعضَها وما أشبهَها، طُولِب مطالبتَنا مَن تأوَّل عليهم في ذلك تأويلَه، بالذي قد تقَدَّم في بيانِنا، وقيل له: ما أنْكَرْتَ أن يكونَ مَن نسَب شيئًا مِن ذلك منهم إلى مَن نسَبه مِن أجناسِ الأممِ سوى العربِ، إنما نسَبه إلى إحدى نسبتَيْه التي هو لها مُسْتَحِقٌّ، مِن غيرِ نفيٍ منه عنه النسبةَ الأخرى. ثم يقالُ له: أرأيتَ مَن قال لأرضٍ سُهْليةٍ جبليةٍ: هي سُهْليةٌ. ولم يُنْكِرْ أن تكون جبليةً. أو قال: هي جبليةٌ. ولم يَدْفَعْ أن تكونَ سُهْليةً، أَنافٍ عنها أن تكونَ لها الصفةُ الأخرى بقيلِه ذلك؟ فإن قال: نعم. كابَر عقلَه، وإن قال: لا. قيل له: فما أنْكَرْتَ أن يكونَ قولُ مَن قال في سجِّيل: هي فارسيةٌ. وفي القِسْطاسِ: هي روميةٌ. نظيرَ ذلك. وسُئِل الفَرْقَ بينَ ذلك، فلن يقولَ في أحدِهما قولًا إلَّا أُلْزِم في الآخرِ مثلَه.

القولُ في اللغةِ التي نزَل بها القرآنُ مِن لُغاتِ العربِ

قال أبو جعفرٍ: قد دلَّلْنا على صحةِ القولِ، بما فيه الكفايةُ لمن وُفِّق لفهمِه، على أن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه أنْزَل جميعَ القرآنِ بلسانِ العربِ دونَ غيرِها مِن ألسنِ سائرِ أجناسِ الأممِ، وعلى فسادِ قولِ مَن زعَم أن منه ما ليس بلسانِ العربِ ولغتِها (١).

فنقولُ الآن - إذْ كان ذلك صحيحًا - في الدَّلالةِ عليه بأيِّ ألسنِ العربِ أُنْزِل: أبألسنِ جميعِها، أم بألسنِ بعضِها؟ إذ كانت العربُ، وإن جمَع جميعَها اسمُ أنهم


(١) في ص: "لغاتها".