للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقراءةُ التي لا نسْتَجِيزُ غيرَها في ذلك عندَنا بالنونِ: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾؛ لأنها القراءةُ التي قامَت حجتُها بالنقلِ المُستفيضِ الذي يَمْتَنِعُ معه التَّشاعُرُ (١) والتَّواطُؤُ والسهوُ والغَلَطُ، بمعنى ما وصَفْنا من: يقولون: لا نُفَرِّقُ بينَ أحدٍ مِن رسلِه. ولا يُعْتَرَضُ بشاذٍّ مِن القراءةِ على ما جاءَت به الحجةُ نقلًا وراثةً (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)﴾.

يعنى بذلك جل ثناؤُه: وقال الكلُّ مِن المؤمنين: سمِعنا قولَ ربِّنا وأمْرَه إِيَّانا بما أمَرَنا به، ونهيَه عما نهانا عنه ﴿وَأَطَعْنَا﴾. يعنى: أطَعْنا رَبَّنا فيما أَلْزَمنَا مِن فرائضِه واسْتَعْبَدَنا به مِن طاعتِه، وسلَّمْنا له.

وقولُه: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾. يعني: وقالوا: غفرانَك ربَّنا. بمعنى: اغْفِرْ لنا ربَّنَا غُفْرَانَك. كما يُقالُ: سبحانَك. بمعنى: نُسَبِّحُك سبحانَك.

وقد بيَّنَّا فيما مضَى أن الغفرانَ والمغفرةَ السترُ مِن اللهِ Object على ذنوبِ مَن غُفِر له، وصَفْحُه له عن هَتْكِ سترِه بها في الدنيا والآخرةِ، وعفوُه عن العقوبةِ عليه (٣).

وأما قولُه: ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾. فإنه يعنى جل ثناؤُه أنهم قالوا: وإليك يا ربَّنا مَرْجِعُنا ومَعادُنا، فاغْفِرْ لنا ذنوبَنا.

فإن قال لنا قائلٌ: فما الذي نصَب: ﴿غُفْرَانَكَ﴾؟

قيل له: وقوعُه وهو مصدرٌ موقعَ الأمرِ، وكذلك تَفْعَلُ العربُ بالمصادرِ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "التشاغر". والتشاعر: التعالم. من "شعر" بمعنى: علم.
(٢) في ص، م، س: "ورواية".
(٣) ينظر ما تقدم ١/ ٧٢٠، ٧٢١.