للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وُصِف أمرُهم في هذه السُّورةِ حينَ تأتِيهم - عن علمٍ مِنهم بوْقُتِها؛ ولكنَّها تأتِيهم مفاجأةً لا يَشْعُرون بمجيئِها، ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾. يقولُ: فتَغْشاهم فجأةً، وتلْفحُ وجوهَهم معايَنةً، كالرَّجل يَبْهَتُ الرجلَ في وَجْهِهِ بالشيءِ حتى يَبْقَى المبهوتُ (١) كالحيرانِ منه، ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾. يقولُ: فلا يُطيقون حينَ تَبْغَتُهم فتَبهَتُهم، دفْعَها عن أنفسِهم، ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾. يقولُ: ولا هم وإن لم يُطيقوا دَفْعَها عن أنفسِهم يُؤَخَّرون بالعذابِ بها لتوبةٍ يُحدِثونها، وإنابةٍ يُنيبون؛ لأنَّها لَيْست حينَ عملٍ وساعةً توبةٍ وإنابةٍ، بل هي ساعةُ مُجازاةٍ وإثَابَةٍ.

القولُ في تأويل قولِه تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٤١)﴾.

يقولُ تعالى ذِكره لنبيِّه محمدٍ : إن يَتَّخِذْكَ يا محمدُ هؤلاءِ القائلُون لك: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣]. إذا رَأَوْكَ هُزُوًا، ويَقُولُون: هذا الذي يَذْكُرُ آلهتَكم! كفرًا مِنهم باللهِ، واجْتراءً عليه - فلقد استهُزِئَ بِرُسُلٍ مِن رُسُلِنا الذين أرْسَلْناهم من قبلك إلى أُمِمهم. يقولُ: فوجَب ونزَل بالذين اسْتَهْزءوا بِهم، وسَخِروا مِنهم من أُمَمِهم ما كانوا به يستهزئون (٢)، من البلاءِ والعذابِ الذي كانت رُسُلُهم تخُوِّفُهم تُزولَه بهم.

﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: فلن يَعْدُوَ هؤلاءِ المُسْتَهْزِئُون بكَ من هؤلاءِ الكَفَرةِ أن يَكُونوا كأَسْلافهم من الأممِ المُكَذِّبةِ رُسُلَها، فينزلَ بهم من عذابِ اللَّهِ وسَخَطِه باسْتِهْزائِهم بكَ، نظيرُ الذي نزَل بِهم.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ


(١) في ت ٢: "كالمبهوت".
(٢) بعده في ص، م، ت ١، ف: "يقول جل ثناؤه: حل بهم الذي كانوا به يستهزئون".