للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورُوِى عن ابن عباسٍ أنَّه قرأَه: (حَضَبُ). بالضادِ.

حدَّثنا بذلك أحمد بنُ يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثنا إبراهيمُ بنُ محمدٍ، عن عثمانَ بن عبدِ اللَّهِ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ أنَّه قرَأَها كذلك (١).

وكأنَّ ابن عباس - إن كان قرَأ ذلك كذلك - أرَاد أنَّهم الذين تُسَجَّرُ بهم، جَهَنَّمُ، ويُوقَدُ بهم فيها النارُ؛ وذلك أنَّ كلَّ ما هُيِّجَت به النارُ وأُوقِدَت به فهو عندَ العربِ حَضَبٌ (٢) لها.

فإذا كان الصوابُ من القراءةِ في ذلك ما ذَكَرْنا، وكان المعروفُ من معنى الحَصَبِ عندَ العربِ الرَّمْيَ، مِن قولِهم: حَصَبْتُ الرجلَ. إذا رَمَيْتَه، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا﴾ [القمر: ٣٤]. كان الأَوْلَى بتأويلِ ذلك قولُ مَن قال: معناه أنَّهم تُقْذَفُ جَهَنَّمُ بهم، ويُرْمَى بهم فيها.

وقد ذُكر أنَّ الحَصَبَ في لغةِ أهلِ اليمنِ الحَطَبُ. فإن يَكُنْ ذلك كذلك، فهو أيضًا وجهٌ صحيحٌ. وأمَّا ما قلنا من أن معناه الرَّمْيُ، فإِنَّه في لغةِ أهلِ نجدٍ.

وأما قولُه: ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾. فإنَّ معناه: أنتم عليها أيُّها الناسُ، أو إليها، ﴿وَارِدُونَ﴾. يقولُ: داخِلُون.

وقد بيَّنتُ معنَى "الورودِ" فيما مضَى قبلُ بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (٩٩)﴾.

يقولُ تعالى ذِكرُه لهؤلاء المشركين الذين وصَف صفتَهم أَنَّهم ﴿مَا يَأْتِيهِم مَّن


(١) أخرجه الفراء في معاني القرآن ٢/ ٢١٢ بإسناده عن ابن عباس.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "حصب".
(٣) ينظر ما تقدم في ١٥/ ٥٩٠ وما بعدها.