للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا الذي قرَأ ذلك بالفتحِ؛ فإنه وجَّه تأويلَه إلى: فيومئذٍ لا يعذَّبُ أحدٌ في الدنيا كعذابِ اللهِ يومَئِذٍ، ولا يُوثَقُ أحدٌ في الدنيا كوَثَاقِه يومئذٍ. وقد تأوَّل ذلك بعضُ مَن قرَأ ذلك كذلك بالفتحِ مِن المتأخرين: فيومئذٍ لا يعذَّبُ عذابَ الكافِرِ أحدٌ ولا يُوثَقُ وَثاقَ الكافر أحدٌ. وقال: وكيف يجوزُ الكسرُ، ولا معذِّبَ يومئذٍ سوى الله؟! وهذا من التأويلِ غلطٌ؛ لأنَّ أهلَ التأويلِ تأوَّلوه بخلافِ ذلك، مع إجماعِ الحجةِ من القرأةِ على قراءتِه بالمعنى الذي جاء به تأويلُ أهلِ التأويلِ، وما أحسَبه دعاه إلى قراءةِ ذلك كذلك، إلا ذهابُه عن وجْهِ صحتِه في التأويلِ.

وقوله: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾. يقولُ تعالى ذكرُه مُخْبِرًا عن قيلِ الملائكةِ لأوليائِه يوم القيامةِ: يأيَّتُها النفسُ المطمئنةُ. يعنى بالمطمئنةِ التي اطمأنَّت إلى وعدِ اللهِ الذي وعَد أهلَ الإيمانِ به في الدنيا، مِن الكرامةِ في الآخرةِ، فصدَّقت بذلك.

وقد اختلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم نحوَ الذي قلنا فيه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني عليٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾. يقولُ: المُصَدِّقةُ (١).

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾: هو المؤمنُ اطمأنَّت نفسُه إلى ما وعَد اللهُ (٢).

حدَّثنا ابنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا ابنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسنِ وقتادةَ في


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٥٠ إلى المصنف وابن المنذر.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٥١ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.