للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أنه أخبرَ أن الحميمَ إذا صُبَّ على رُءُوسِهم نَفَذَ الجمجمةَ حتى يخلُصَ إلى أجْوافِهم، وبذلك جاء تأويلُ أهلِ التأويلِ، ولو كانت المَقَامِعُ قد ثقَبت (١) رءوسَهم قبلَ صَبِّ الحميمِ عليها، لم يَكُنْ لقولِه : "إنَّ الحميمَ يَنْفُذُ الجُمْجُمَةَ"، معنًى، ولكنَّ الأمر في ذلك بخلافِ ما قال هذا القائلُ.

وقولُه: ﴿يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾. يقولُ: يُذَابُ بالحميمِ الذي يُصَبُّ مِن فوقِ رُءُوسِهم ما في بطونِهم مِن الشُّحُومِ، وتُشْوَى جلودُهم منه فتَتَساقَطُ. والصَّهْرُ هو الإذابةُ، يقالُ منه: صَهَرْتُ الأَلْيَةَ بالنارِ، إذا أذَبْتَها، أصْهَرُها صَهْرًا، ومنه قولُ الشاعرِ (٢):

تَرْوِى لَقًى أُلْقِىَ في صَفْصَفٍ … تَصْهَرُه الشَّمْسُ ولا يَنْصَهِرْ

ومنه قولُ الراجزٍ (٣):

* شَكّ السَّفَافِيدِ الشِّوَاءَ المُصْطَهَرْ*.

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مِن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثنى الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿يُصْهَرُ بِهِ﴾. قال: يُذَابُ إذابةً (٤).


(١) في م: "تثقب". وفى ت ١: "نقبت"، وفى ت ٢: "بعثت"، وفى ف: "بقيت".
(٢) البيت في مجاز القرآن ٢/ ٤٨، واللسان والتاج (ص هـ ر) منسوبا لابن أحمر.
(٣) هو العجاج، والرجز في ديوانه ص ٥٥.
(٤) تفسير مجاهد ص ٤٧٨، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٣٥٠ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.