للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني يونسُ، قال: أخْبَرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه - في تولِّيهم يومَ أُحدٍ -: ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾: فلا أَدْرِى ذلك (١) العفوُ عن تلك العِصابةِ، أم عفوٌ عن المسلمين كلِّهم؟ (٢).

وقد بيَّنا تأويلَ قولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. فيما مضَى (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾.

يعنى بذلك جل ثناؤُه: يا أيُّها الذين (٤) صدَّقوا الله ورسولَه، وأَقَرُّوا بما جاء به محمدٌ عندِ اللهِ، لا تكونوا كمَن كفَر باللهِ وبرسولِه، فجحَد نبوةَ محمدٍ ، وقال لإخوانِه مِن أهلِ الكفرِ ﴿إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ﴾ فَخَرَجوا مِن بلادِهم سَفْرًا في تجارةٍ، ﴿أَوْ كَانُوا غُزًّى﴾. يقولُ: أو كان خروجُهم مِن بلادِهم غُزاةً، فهلَكوا فماتوا في سفرِهم، أو قُتِلوا في غزوِهم: ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾. يُخْبِرُ بذلك عن قولِ هؤلاء الكافرين؛ أنهم يقولون لمن غزا منهم فقُتِل، أو مات في سفرٍ خرَج فيه في طاعةِ اللهِ ﷿، أو تجارةٍ: لو لم يكونوا خرَجوا مِن عندِنا، وكانوا أقاموا في بلدِهم، ما ماتوا، وما قُتِلوا. لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾. يعنى أنهم يقولون ذلك كى يَجْعَلَ اللهُ قولَهم ذلك حزنًا في قلوبِهم وغمًّا، ويَجْهَلون أن ذلك إلى اللهِ جل ثناؤُه وبيدِه.

وقد قيل: إن الذين نهى اللهُ المؤمنين بهذه الآيةِ أن يَتَشَبَّهوا بهم فيما نهاهم عنه


(١) في م: "أذلك".
(٢) ذكره الطوسى في التبيان ٣/ ٢٥ عن ابن زيد.
(٣) ينظر ما تقدم في ٤/ ٤٢.
(٤) بعده في س: "آمنوا".