والمَشاربِ، كسائرِ البشرِ من بنى آدمَ، فإن مَن كان كذلك فغيرُ كائنٍ إلهًا؛ لأن المحتاجَ إلى الغذاءِ قِوَامُه بغيرِه، وفى قِوامِه بغيرِه وحاجتِه إلى ما يُقِيمُه دليلٌ واضحٌ على عجزِه، والعاجزُ لا يكونُ إلا مربوبًا لا ربًّا.
يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: يا محمدُ ﴿كَيْفَ نُبَيِّنُ﴾ لهؤلاء الكَفَرة من اليهودِ والنصارى ﴿الْآيَاتِ﴾ وهى الأدلةُ والأعلامُ والحُجَجُ على بُطُولِ ما يَقُولون في أنبياءِ اللهِ، وفى فِرْيتِهم على اللهِ، وادِّعائِهم له ولدًا، وشَهادَتِهم لبعضِ خلقِه بأنه لهم ربٌّ وإلهٌ، ثم لا يَرْتَدعون عن كذبِهم وباطلِ قِيلِهم، ولا يَنْزَجِرون عن فِرْيتِهم على ربِّهم وعظيمِ جهلِهم، مع ورُودِ الحُجج القاطعةِ عذرَهم عليهم، يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ ﷺ: ﴿ثُمَّ انْظُرْ﴾ يا محمدُ، ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾. يقولُ: ثم انْظُرْ مع تَبْيينِنا لهم آياتنِا على بُطولِ قولِهم، أيَّ وجهٍ يُصْرَفون عن بيانِنا الذي نُبَيِّنُه (١) لهم؟ وكيف عن الهُدَى الذي نَهْدِيهِم إِليه مِن الحَقِّ يَضِلُّون؟
والعربُ تقولُ لكلِّ مَصْروفٍ عن شيءٍ: هو مَأْفُوكٌ عنه. يقالُ: قد أفكْتُ فلانًا عن كذا، أي: صرفْتُه عنه، فأنا آفِكُه أَفْكًا، وهو مَأْفُوكٌ، وقد أُفِكَت الأرضُ، إذا صُرِف عنها المطرُ.