للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شادَه مَرمَرًا وجَلَّلَه كِلسًا (١) … فللطَّير فى ذُرَاه وُكُورُ (٢)

وقد تأوَّله بعضُ أهل العلم بلغات العربِ (٣) بمعنى المُزيَّن بالشَّيدِ مِن: شِدتُه أَشِيدُه. إذا زَيَّنتَه به. وذلك شَبيةٌ بمعنى من قال: مجصَّصٌ.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا﴾: هؤلاء المكذِّبون بآياتِ اللهِ، والجاحدُون قدرَتَه في البلاد، فينظُروا إلى مصارعِ ضُرَبَائِهِم مِن مُكَذِّبِي رُسلِ اللهِ الذين خَلَوْا مِن قَبلهم، كعادٍ وثمودَ وقوم لوطٍ وشعيبٍ، وأوطانهم ومساكنهم، فيتفكَّروا فيها، ويَعتَبروا بها، ويعلَموا بتدَبُّرِهم أمرَها وأمرَ أهلها، سنةَ اللهِ في مَن كفَر وعبَد غيرَه، وكذَّب رُسُلَه، فيُنيبُوا من عُتُوِّهم وكُفرِهم، ويكون لهم إذا تدبَّروا ذلك واعتبَروا به وأنابوا إلى الحقِّ -قلوبٌ يعقلون بها حُجج الله على خَلقِه وقدرته على ما شاء (٤)، ﴿أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾. يقولُ: أو آذانٌ تُصغِى لسماع الحقِّ فتَعِى ذلك، وتَميزُ بينَه وبين الباطلِ.

وقولُه: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾. يقولُ: فإنها لا تَعمَى أبصارُهم أن يُبصروا بها الأشخاصَ ويَرَوْها، بل يُبصِرون ذلك بأبصَارِهم، ولكن تَعمَى قلوبُهم التي في صدورِهم عن إبصارِ الحقِّ ومعرفتِه.


(١) الكلس: ما طلى به حائط أو باطن قصر شبه الجص من غير آجُر. اللسان (ك ل س)
(٢) الوكور جمع الوكْر: عش الطائر. اللسان (و ك ر)
(٣) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٥٣
(٤) فى م، ت ١، ت ٢، ف: "بينا".