يقولُ تعالى ذكرُه: وإذا قيل لهؤلاء الذين يُجادِلون في توحيدِ اللَّهِ، جهلًا منهم بعظمةِ اللَّهِ: اتَّبعوا أيُّها القومُ ما أنزَل اللهُ على رسولِه، وصَدَّقوا به، فإنه يَفْرُقُ بينَ المحقِّ منا والمبطِلِ، ويَفْصِلُ بَينَ الضالِّ والمهندى. فقالوا: بل نَتَّبِعُ ما وجَدْنا عليه آباءَنا من الأديانِ؛ فإنهم كانوا أهلَ حقٍّ. قال اللهُ تعالى ذكرُه: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ﴾ بتزيِينِه لهم سوءَ أعمالِهم، واتِّباعِهم إياه على ضلالتِهم، وكفرِهم باللهِ، وتركهم اتِّباعَ ما أنزَل اللهُ من كتابِه على نبيِّه - ﴿إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾. يعني: عذابِ النارِ التي تَتَسَعَّرُ وتَلْتَهِبُ.
يقولُ تعالى ذكرُه: ومَن يُعَبِّدُ وَجْهَهُ مُتَذلِّلًا بالعبودةِ، مُقِرًّا له بالألوهةِ، ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ يقولُ: وهو مُطيعٌ الله في أمَره ونهِيه ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾. يقولُ: فقد تمسَّك بالطَّرَفِ الأوثقِ الذي لا يخافُ انقطاعَه مَن تَمَسَّك به، وهذا مَثَلٌ. وإنما يعنى بذلك أنه قد تمسَّك مِن رضا اللهِ يإسلامِه وجهَه إليه وهو مُحسِنٌ - ما لا يَخافُ معه عذابَ الله يومَ القيامةِ.
وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، عن أبي السَّوداء، عن جعفرٍ بن أبى المغيرةِ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾. قال: لا إلهَ إلا اللهُ (١).
(١) تقدم تخريجه في ٤/ ٥٦٤، ٥٦٥ حاشية (٤)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٣٠.