للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعينٍ ما أرينك، بمعنى الجحدِ، وزعَموا أن ذلك بمعنى التوكيدِ للكلامِ.

وقال آخَرون: بل هو حَشْوٌ في الكلامِ، ومعناها الحذفُ، وإنما معْنى الكلامِ: "بعينٍ أراك. وغيرُ جائزٍ أن يُجْعَلَ مع الاختلافِ فيه أصلًا يُقاسُ عليه غيرُه.

القولُ في تأويلِ قولِهِ جلّ ثناؤُه: ﴿مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩)﴾.

والهُدَى في هذا الموضعِ البيانُ والرَّشادُ، كما حدَّثنى المُثَنَّى بنُ إبراهيمَ، قال: حدَّثنا آدمُ العَسْقلانىُّ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبى العاليةِ في قولِه: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾. قال: الهُدَى الأنبياءُ والرسلُ والبَيانُ (١).

فإن كان ما قال أبو العاليةِ في (٢) ذلك كما قال، فالخِطابُ بقولِ: ﴿اهْبِطُوا﴾. وإن كان لآدمَ وزوجتِه، فيَجِبُ أن يَكونَ مُرادًا به آدمُ وزوجتُه وذريتُهما، فيَكونَ ذلك حينَئذٍ نظيرَ قولِه: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١]. بمعنى: أتَيْنا بما فينا مِن الخَلْقِ طائِعِين. ونظيرَ قولِه في قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِهِم مَنَاسِكَهم) (٣). فجمَع قبلَ أن تَكونَ ذريةٌ، وهو في قراءتِنا: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ [البقرة: ١٢٨]. وكما يقولُ القائلُ لآخرَ: كأنك قد تزَوَّجْتَ ووُلِد لك وكثُرتُم وعزَزْتُم. ونحوِ ذلك مِن الكلامِ.


(١) أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ٩٣ (٤١٩) من طريق آدم به.
(٢) في ص: "من".
(٣) سيأتى تخريج هذه القراءة في موضعها من التفسير.