للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلْنا: إن ذلك هو الواجبُ على التأويلِ الذى ذكَرْناه عن أبى العاليةِ؛ لأن آدمَ كان هو النبىَّ أيامَ حياتِه بعدَ أن أُهْبِط إلى الأرضِ، والرسولَ مِن اللهِ تعالى ذكرُه إلى ولدِه، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ مَعْنِيًّا -وهو الرسولُ- بقولِه: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾. خطابًا له ولزوجتِه: فإما يأتينّكم مِنى (١) أنبياءُ ورسلٌ. إلا على ما وصَفْتُ مِن التأويلِ.

وقولُ أبى العاليةِ في ذلك -وإن كان وجهًا مِن التأويلِ تَحْتَمِلُه الآيةُ- فأقربُ إلى الصوابِ منه عندى، وأشبهُ بظاهرِ التِّلاوةِ أن يكونَ تأويلُها: فإما يَأْتِيَنَّكم (٢) يا معشرَ مَن أُهْبِطَ (٣) إلى الأرضِ مِن سمائى -وهو آدمُ وزوجتُه وإبليسُ، كما قد ذكَرْنا قبلُ في تأويلِ الآيةِ التى قبلَها- إما يَأْتِيَنَّكم منى ييانٌ مِن أمرِى وطاعتى ورَشادٌ إلى سبيلى ودِينى، فمَن اتَّبَعه منكم فلا خوفٌ عليهم ولا هم يَحْزنون، وإن كان قد سلَف منهم قبلَ ذلك إلىَّ معصيةٌ وخلافٌ لأمْرى وطاعتى. يُعَرِّفُهم بذلك تعالى ذكرُه أنه التائبُ على مَن تاب إليه مِن ذنوبِه، والرحيمُ بمن (٤) أناب إليه، كما وصَف نفسَه بقولِه: ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.

وذلك أن ظاهرَ الخِطابِ بذلك إنما هو للذين قال لهم جلَّ ثناؤُه: ﴿اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾. والذين خُوطِبوا به هم مَن سَمَّيْنا في قولِ الحُجَّةِ مِن الصحابةِ والتابعين الذين قد قدَّمْنا الروايةَ (٥) عنهم. وذلك وإن كان خطابًا مِن اللهِ تعالى ذِكرُه لمن أُهْبِط حينَئذٍ مِن السماءِ إلى الأرضِ، فهو سنَّةُ اللهِ في جميعِ خلقِه، وتعريفٌ منه بذلك


(١) بعده في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "هدى".
(٢) بعده في م: "منى".
(٣) في م: "أهبطته".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢: "لمن".
(٥) بعده في ص: "به".