للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْيُنِهِمْ﴾ (١) [الأنفال: ٤٤].

فمعْنى الآيةِ على هذا التأويلِ: قد كان لكم يا مَعشرَ اليهودِ آيةٌ في فئتين التَقَتا؛ إحداهما مسلمةٌ والأخْرى كافرةٌ، كثيرٌ عددُ الكافرةِ، قليلٌ عددُ المسلمةِ، تَرَى الفئةُ القليلُ عددُها الكثيرَ عددُها أمثالًا (٢)، إنما (٣) تَكْثُرُها مِن العددِ بمِثْلِ واحدٍ، فهم يَرَوْنَهم مِثْلَيْهم. فيكونُ أحدُ المِثْلَيْن عندَ ذلك العددَ الذي هو مثلُ عددِ الفئةِ التي رأَتْهم، والمثلُ الآخرُ الضِّعْفَ الزائدَ على عددِهم. فهذا أحدُ معْنيَى التَّقليلِ الذي أخْبَرَ اللهُ ﷿ المؤمنينَ أنه قلَّلهم في أعينِهم.

والمعنى الآخرُ منه: التَّقليلُ الثاني على ما قاله ابن مسعودٍ، وهو أن أراهم عددَ المشركين مثلَ عددِهم لا يَزِيدُون عليهم، فذلك التقليلُ الثاني الذي قال اللهُ جلّ ثناؤُه: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا﴾.

وقال آخَرون مِن أهلِ هذه المَقالةِ: إن الذين رأَوُا المشركين مثلى أنفسِهم هم المسلمون، غيرَ أن المسلمين رَأَوْهم على ما كانوا به مِن عددِهم، لم يُقلَّلوا في أعينِهم، ولكنَّ اللَّهَ أيَّدَهم بنصرِه. قالوا: ولذلك قال اللهُ ﷿ لليهودِ: قد كان لكم فيهم عِبْرةٌ. يُخَوِّفُهم بذلك أن يُحِلُّ بهم منهم مثلَ الذي أحَلَّ بأهلِ بدرٍ على أيْدِيهم.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثنى عمّى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٠٦ (٣٢٤٤) من طريق عمرو بن حماد به، دون ذكر مرة الهمدانى.
(٢) بعده في م: "لها".
(٣) سقط من: م.