للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَيْهما وضَعْفِهما، ولَحِقَتا بنَبيِّهما .

يقولُ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. أى: مَن كان به ضَعْفٌ من المؤمنين أو وَهَنٌ فَليَتَوَكَّلْ عليَّ، ولْيَسْتَعِنْ بي، أُعِنْه على أمرِه، وأدفَعْ عنه حتى أبلغَ به، وأُقَوِّيَه على نِيَّتِه.

وقد ذُكِر أن ابنَ مسعودٍ كان يقرَأُ: (وَاللهُ وَلِيُّهُمْ) (١). وإنما جاز أن يقرَأَ ذلك كذلك؛ لأن الطائفَتين وإن كانَتا فى لفظِ اثنين، فإنهما في معنى جِماعٍ، بمنزلةِ الخَصْمَين والحِزْبَين.

القولُ في تأويلِ قولِه ﷿: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)﴾.

يعنى بذلك جلّ ثناؤه: وإن تَصْبِروا وتَتَّقوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شيئًا، وينصُرُكم رَبُّكم، ولقد نصَركم اللهُ يبدرٍ على أعدائِكم وأنتم يومَئِذٍ أَذِلَّةٌ، يعني قليلون في غيرِ مَنَعَةٍ من الناسِ، حتى أظهَركم اللهُ على عدوِّكم، مع كثرةِ عددِهم وقلةِ عددِكم، وأنتم اليومَ أكثرُ عددًا منكم حينَئذٍ، فإن تَصْبِروا لأمرِ اللهِ ينصُرْكم كما نصَركم ذلك اليومَ، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾. يقولُ: فاتقوا ربَّكم بطاعتِه، واجتنابِ محارمِه، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. يقول: لتشكُروه على ما مَنَّ به عليكم من النصرِ على أعدائِكم، وإظهارِ دينِكم، ولِما هَداكم له من الحقِّ الذى ضَلَّ عنه مخالِفوكم.

كما حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن ابنِ إسحاقَ: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾. يقولُ: وأنتم أقلُّ عددًا وأضعفُ قوَّةً، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ


(١) ينظر معانى القرآن للفراء ١/ ٢٣٣، والبحر المحيط ٣/ ٤٧.