للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما بيَّنا لكم أيها القومُ، حججنا في هذه الآياتِ مِن هذه السورة على قدرتنا على ما نشاءُ؛ مِن إنشاء ما نشاء وإفناء ما نحبُّ وإعادةِ ما نريد إعادته بعد فنائه، ودلَّلنا على أنه لا تصلحُ العبادة إلا للواحد القهار، الذى بيده ملكوت كلِّ شيءٍ - كذلك نبين حججنا في كلِّ حقٍّ لقومٍ يعقلون، فيتدبَّرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فيتعظون بها.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٢٩)﴾.

يقول تعالى ذكرُه: ما ذلك كذلك، ولا أشرَك هؤلاء المشركون في عبادة الله الآلهة والأوثان لأنَّ لهم شركًا فيما رزقهم اللهُ مِن مِلْكِ أيمانهم، فهم وعبيدهم فيه سواءٌ، يخافونهم (١) أن يقاسِموهم ما هم شركاؤُهم فيه، فرضُوا اللَّهِ مِن أجل ذلك بما رضُوا به لأنفسهم، فأشركوهم في عبادته، ولكن الذين ظلموا أنفسهم فكفَروا باللَّهِ اتبعوا أهواءَهم؛ جهلًا منهم لحق الله عليهم، فأشركوا الآلهة والأوثان في عبادته، ﴿فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾. يقولُ: فمن يُسَدِّدُ للصواب من الطرق؟! يعنى بذلك: مَن يُوَفِّقُ للإسلام مَن أَضلَّ اللَّهُ الاستقامة والرشادِ؟! ﴿وَمَا هُم مِّن نَاصِرِينَ﴾. يقولُ: وما لمن أضلَّ اللَّهُ مِن ناصرين ينصرونه فينقذونه من الضلال الذى يبتليه به تعالى ذكرُه.

القولُ في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)﴾.

يقول تعالى ذكرُه: فسدِّد وجهَك نحوَ الوجهِ الذى وجَّهك إليه ربُّك


(١) في م: "يخافون".