فإن قال قائلٌ: فما جعَل قولَ مَن قال: قد نزَل بعدَ ذلك فرضٌ. أَولَى مِن قولِ مَن قال: لم يَنْزِلُ؟
قيل: لأن الذي قال: لم يَنْزِلْ. مُخْبِرٌ أَنه لا يَعْلَمُ نُزُولَ فرضٍ، والنفىُ لا يَكُونُ شهادةً، والشهادةُ قولُ مَن قال: نزَل. وغيرُ جائزٍ دفعُ خبرِ الصادقِ فيما أمكن أن يَكُونَ فيه صادقًا.
القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾.
قال أبو جعفرٍ: يَعْنى بذلك جلَّ ثناؤُه: وأتْمَمْت نعمتى أيُّها المؤمنون بإظهارِكم على عدوِّي وعدوِّكم مِن المشركينِ، ونفيى إياهم عن بلادِكم، وقَطْعى طمعَهم مِن رجوعِكم وعودِكم إلى ما كنتم عليه مِن الشركِ.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ، قال: كان المشركون والمسلمون يَحُجُّون جميعًا، فلما نزَلت "براءةُ" فنفى المشركين عن البيت، وحجَّ المسلمون لا يُشارِكُهم في البيتِ الحرامِ أحدٌ مِن المشركينِ، فكان ذلك مِن تمامِ النعمةِ: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ (١).
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
(١) أخرجه الآجرى في الشريعة (١٩٦) من طريق عبد الله بن صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٥٨) إلى ابن المنذر.