للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُدِّثْتُ عن الحسين، قال: سَمِعْتُ أبا معاذٍ، قال: ثنا عُبيد بن سليمانَ، قال: سمِعْتُ الضحاك في قوله: ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾: يعنى: التحريف، هم أهلُ الكتاب، فرَّقوا كتبهم ودينهم، وكذَّبوا رسلهم، فلبَس اللهُ عليهم ما لبَسوا على أنفسهم.

وقد بيَّنا فيما مضى قبلُ أن هذه الآياتِ مِن أول السورة بأن تكون في أمر المشركين من عبدةِ الأوْثانِ، أشبه منها بأمرِ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بما أغْنَى عن إعادته (١).

القول في تأويل قوله: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)﴾.

يقول تعالى ذكره لنبيِّه محمد مُسَلِّيًّا عنه بوعيدِه المستهزئين به عقوبة (٢) ما يَلْقَى منهم من أذى الاستهزاء به، والاستخفاف في ذاتِ اللهِ: هَوِّن عليك يا محمدُ ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك، المسْتَخِفِّين بحقِّك فيَّ وفي طاعتى، وامْضِ لما أمَرْتُك به من الدعاء إلى توحيدى، والإقرار بي، والإذعان لطاعتى، فإنهم إن تَمادَوا في غَيِّهم، وأصَرُّوا على المقامِ على كفرهم، نَسْلُكْ بهم سبيلَ أسلافهم من سائرِ الأمم من غيرهم؛ من تعجيل النِّقمة لهم، وحُلولِ المَثُلاتِ بهم، فقد اسْتَهْزَأَت أممٌ من قبلك برسلٍ أرْسَلْتُهم إليهم، بمثل الذي أرْسَلْتُك به إلى قومِك، وفعلوا مثال (٣) فعل قومِك بك، ﴿فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾. يعني بقوله: ﴿فَحَاقَ﴾: فنزل وأحاط بالذين هزءوا برسلهم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾. يقولُ: العذاب الذي كانوا يهزءون به، ويُنكرون أن يكون واقعًا


(١) ينظر ما تقدم في ص ١٤٨، ١٤٩.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "عقوبته".
(٣) في م: "مثل".