للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى الكلامِ، كما قال الشاعرُ (١):

حَسِبْتَ بُغامَ راحلتى عَناقًا … وما هى وَيْبَ غيرِكَ بالعَناقِ

يعني صوتَ عَناقٍ. فتكونُ الملةُ حينئذٍ منصوبةً عطفًا في الإعرابِ على اليهودِ والنصارَى. وقد يجوزُ أن يكونَ منصوبًا على وجهِ الإغراءِ باتباعِ ملةِ إبراهيمَ.

وقرَأ بعضُ القَرَأةِ ذلك رفعًا (٢)، فتأويلُه على قراءةِ من قرَأه رفعًا: بل الهُدى ملةُ إبراهيمَ.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤُه: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)﴾.

والملَّةُ الدينُ، وأما الحَنِيفُ فإنَّه المستقيمُ من كلِّ شيءٍ. وقد قيل: إن الرجلَ الذي تُقْبِلُ إحدى قدمَيْه على الأخرى إنما قيل له: أَحْنَفُ. نظرًا له إلى السلامةِ، كما قيل للمَهْلَكةِ من البلادِ: المَفازَةُ. بمعنى الفوزِ بالنجاةِ فيها (٣) والسلامةِ، وكما قيل لِلَّديغِ: السَّلِيمُ. تفاؤُلًا له بالسلامةِ من الهلاكِ، وما أَشبهَ ذلك.

فمعنى الكلامِ إذن: قلْ يا محمدُ: بل نَتَّبعُ ملةَ إبراهيمَ مستقيمًا. فيكونُ "الحنيفُ" حينئذٍ حالًا من "إبراهيمَ".

وأما أهلُ التأويلِ، فإنهم اختلَفوا في تأويلِ ذلك، فقال بعضُهم: الحَنِيفُ الحاجُّ. وقال (٤): إنما سُمِّى دينُ إبراهيمَ الإِسلامَ الحنَيِفيةَ؛ لأنه أوّلُ إمامٍ لَزِم العِبادَ الذين كانوا في عصْرِه، والذين جاءُوا بعدَه إلى يومِ القيامةِ - اتباعُه في مناسكِ الحجِّ، والائتمامُ به فيه. قالوا: فكلُّ من حجَّ البيتَ فنَسَك مَناسِكَ إبراهيمَ على ملتِه، فهو حَنِيفٌ مسلمٌ على دينِ إبراهيمَ.


(١) تقدم في ص ٢٦٥.
(٢) هى قراءة ابن هرمز الأعرج وابن أبي عبلة وابن جندب. ينظر مختصر ابن خالويه ص ١٧، والبحر المحيط ١/ ٤٠٦.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "منها".
(٤) في م، ت ٢، ت ٣: "قيل".