للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ﴾. يقولُ: حتى إذا ما جاءوا النارَ، شهِد عليهم سمعُهم بما كانوا يُصغُون به في الدنيا إليه ويستمِعون له، وأبصارُهم بما كانوا يُبصِرون به، وينظُرون إليه في الدنيا، ﴿وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وقد قيل: عُنِى بالجلودِ في هذا الموضعِ الفروجُ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ القُمِّيُّ، عن الحَكَمِ الثقفيِّ، عن (١) رجلٍ من آلِ أبى عَقِيلٍ رَفَع الحديثَ: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا﴾: إنما عَنَى فروجَهم، ولكن كنَّى عنها.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: ثنا حرملةُ، أنه سمِع عبيدَ اللَّهِ بنَ أبى جعفرٍ يقولُ: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ﴾. قال: جلودُهم: الفروجُ (٢).

وهذا القولُ الذي ذكَرنا عمن ذكَرنا عنه في معنى الجلودِ، وإن كان معنًى يحتمِلُه التأويلُ، فليس بالأغلبِ على معنى الجلودِ، ولا بالأشهَرِ، وغيرُ جائزٍ نقلُ معنى ذلك المعروفِ على [ألسنِ العربِ] (٣) إلى غيرِه، إلا بحجةٍ يجبُ التسليمُ لها.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)﴾.


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره ١٥/ ٣٥٠.
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الشيء الأقرب".