للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على "الذين" الأولى، والرفعُ على الابْتِداءِ، إذ كان في مبتدأَ آيةٍ أخرى غيرِ التي فيها "الذين" الأولى، فيكونُ (١) رفعُها نظيرَ قولِ اللَّهِ ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾. [التوبة:١١١]. ثم قال في مبتدأ الآيةِ التي بعدَها: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ﴾ [التوبة: ١١٢]. ولو كان جاء ذلك مخفوضًا كان جائزًا.

ومعنى قولِه: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾: الذين يقولون: إننا صدَّقنا بك وبنبيِّك، وما جاء به مِن عندِك، ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ يقولُ: فَاسْتُرْ علينا ذنوبَنا (٢) بعفوِك عنها، وتركِك عقوبتَنا عليها، ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾: ادْفَعْ عنا عذابَك إيَّانا بالنارِ أن تُعَذِّبَنا بها. وإنما معنى ذلك: لا تُعَذِّبْنا يا ربَّنا بالنارِ. وإنما خَصُّوا المسألةَ بأن يَقِيَهم عذابَ النارِ؛ لأن مَن زُحْزِح يومَئذٍ عن النارِ، فقد فاز بالنجاةِ مِن عذابِ النارِ (٣)، وحسُنَ مآبُه.

وأصلُ قولِه: ﴿وَقِنَا﴾. مِن قولِ القائلِ: وقَى اللهُ فلانًا كذا، يُرادُ به: دفَع عنه، فهو يَقِيه. فإذا سأَل بذلك سائلٌ قال: قِنِي كذا.

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ﴾.

يعنى بقولِه: ﴿الصَّابِرِينَ﴾: الذين صبَروا في البأساءِ والضَّرَّاءِ وحينَ البأسِ.

ويعني به ﴿وَالصَّادِقِينَ﴾: الذين صدَقوا الله في قولِهم بتحقيقِهم الإقرارَ به وبرسوله، وما جاء به مِن عندِه، بالعملِ بما أمَره به، والانتهاءِ عما نهاه عنه.

ويعني به ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾: المُطِيعِين له. وقد أتَيْنا على الإبانةِ عن كلِّ هذه


(١) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "في".
(٢) سقط من: م.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "الله".