للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأبصارُ الظاهرة بيانًا عنها، كما قال الشاعرُ (١):

لَعَمْرُ أبيها لا تَقولُ ظَعِينَتى … ألا فَرَّ عَنِّي مالكُ بنُ أبي كَعب

فكَنَّى عن الظَّعينةِ في: لَعَمْرُ أبيها. ثم أظْهَرَها. فيكونُ تأويلُ الكلامِ حينئذٍ: فإذا الأبصارُ شاخصةٌ أبصارُ الذين كَفَروا.

والثاني: أن تكونَ عمادًا، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: ٤٦]. وكقولِ الشاعرِ (٢):

* فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بما هَاهُنا رَاسُ *

وقوله: ﴿يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾. يقول تعالى ذِكرُه: فإذا أبصارُ الذين كَفَروا قد شَخَصَت عند مَجيءِ الوعيدِ (٣) الحقِّ بأهوالِه، وقيامِ الساعةِ بحقائقِها، وهم يقولون: ﴿يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا﴾ قبلَ هذا الوقتِ في الدنيا ﴿فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ الذي نَرَى ونُعاينُ، ونزَل بنا من عظيمِ البلاءِ. وفي الكلامِ متروكٌ تُرِك ذِكْرُه استغناءً بدلالةِ ما ذُكِر عليه عنه، وذلك "يقولون"، مِن قوله: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يقولون: ﴿يَاوَيْلَنَا﴾.

وقوله: ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾. يقولُ مُخبِرًا عن قيل الذين كَفَروا باللَّهِ يومَئِذٍ: ما كُنَّا نعمل لهذا اليوم ما يُنْجِينا من شدائده، بل كُنَّا ظالمين بمعْصِيَتِنا ربَّنا، وطاعَتِنا إبليسَ وجُندَه في عبادةِ غيرِ اللَّهِ ﷿.

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨)﴾.


(١) هو مالك بن أبي كعب، كما في الأغاني ١٦/ ٢٣٤، وهو في معاني القرآن للفراء ٢/ ٢١٢ غير منسوب.
(٢) شطر بيت من ثلاثة أبيات تقدمت في ٢/ ٢١٥.
(٣) في م: "الوعد".