للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذِكْرُه: وقالت الجماعةُ مِن كَفَرَةِ رِجالِ قومِ شعيبٍ - وهم الملأُ الذين جَحَدوا آياتِ اللهِ، وكذَّبُوا رسولَه، وتمادَوا في غَيِّهم - لآخرينَ مِنهم: لئن أنتم اتَّبَعْتم شعيبًا على ما يقولُ، وأَجَبْتُموه إلى ما يَدْعوكم إليه مِن تَوْحِيدِ اللهِ، والانْتِهاءِ إلى أمرِه ونهيِه، وأَقْرَرْتم بنُبُوَّتِه - ﴿إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾. يقولُ جل ثناؤُه: لَمَغبونون في فِعْلِكم وتَرْكِكُم مِلَّتكم التي أنتم عليها مقيمون، إلى دينِه الذي يَدْعوكم إليه، وهالكون بذلك من فِعْلِكم.

القولُ في تأويلِ قولِه جل وعز: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١)﴾.

يقولُ: فأَخَذتِ الذين كفروا مِن قوم شعيبٍ الرجفةُ - وقد بيَّنتُ معنى الرجفةِ قبلُ (١)، وأنَّها الزلزلةُ المتحرِّكةُ (٢) لعذابِ اللهِ - فأهْلَكتهم (٣)، ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾: على رُكَبِهم مَوْتَى هَلْكَى.

وكان صفةُ العذابِ الذي أهْلَكَهم اللهُ به كما حدثني محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾. قال: إِنَّ اللَّهَ بِعَث شعيبًا إلى مَدْيَنَ وإلى أصحابِ الأَيْكَةِ - والأيكةُ هي الغَيْضَةُ مِن الشَّجَرِ - وكانوا مع كفرِهم يبخَسُون الكيلَ والوزنَ، فدعاهم فكذَّبوه، فقال لهم ما ذكَر اللهُ في القرآنِ، وما ردُّوا عليه، فلمّا عَتَوا وكذّبوه سأَلوه العذابَ، ففتَح اللهُ عليهم بابًا مِن أبواب جَهَنَّمَ، فَأَهْلَكَهم الَحُرّ منه، فلم يَنْفَعْهم ظلٌّ ولا ماءٌ، ثم إنه بعَث سحابَةً فيها ريحٌ طَيِّبَةٌ، فوجدوا بردَ الريح وطِيبَها، فتنادَوا: الظُّلَّةَ، عليكم بها. فلما اجتمَعوا تحتَ السحابةِ رِجالُهم ونِساؤُهم وصبيانُهم، انطبقَت


(١) ينظر ما تقدم في ص ٣٠٢، ٣٠٣.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "المحركة".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.