للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للناس. فلما فَعَل ذلك، جاءه المُخَلَّفون فَطَفِقوا يَعْتَذِرون إليه، ويحلِفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ ﷺ علانيتَهم، وبايعَهم واستَغفَر لهم ووَكَل سرائرَهم إلى اللهِ، وصَدَقْتُه حديثي. فقال كعبٌ: واللهِ ما أنعَم اللهُ عليَّ من نعمةٍ قطُّ، بعدَ أن هدَاني للإسلامِ، أعظمَ في نفسي (١) من صِدقِ رسولِ اللهِ ﷺ أن لا أكون كَذَبَتهُ، فَأَهْلِكَ كما هَلَك الذين كَذَبوا، إن الله قال للذين كَذَبوا حينَ أنزل الوحْيَ شرَّ (٢) ما قال لأحدٍ: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ إلى قولِه: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ (٣).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٩٦)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: يَحْلِفُ لكم، أيُّها المؤمنون باللهِ، هؤلاء المنافِقون؛ اعتذارًا بالباطلِ والكذِب؛ ﴿لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾. يقولُ: فإن أنتم، أيّها المؤمنون، رَضِيتم عنهم وقبِلتم مَعذرتَهم، إذ كنتم لا تَعلَمون صِدقَهم من كذبِهم، فإن رضاكم عنهم غيرُ نافعِهم عندَ اللهِ؛ لأن الله يَعْلَمُ من سرائرِ أمرِهم ما لا تَعْلَمون، ومن خَفِيِّ اعتقادِهم ما تَجْهَلون، وأنهم على الكفرِ باللهِ [مقيمون. وقوله: (الفاسقين)] (٤) يعنى: أنهم الخارجون من الإيمانِ إلى الكفرِ باللهِ، ومن الطاعةِ إلى المعصيةِ.


(١) في م: "نفسك".
(٢) سقط من النسخ، والمثبت من صحيح مسلم.
(٣) أخرجه البخارى (٤٦٧٦، ٦٦٩٠)، ومسلم (٢٧٦٩)، وأبو داود (٢٢٠٢، ٣٣١٧، ٢٧٧٣، ٤٦٠٠)، والنسائي (٧٣٠، ٣٨٣٣)، والطبراني ١٩/ ٥٦ (٩٦، ٩٧) من طريق ابن وهب به، وأخرجه أحمد ٢٥/ ٦٦ (١٥٧٨٩)، والبخارى (٣٨٨٩، ٤٦٧٧) وغيرهما من طريق الزهرى به.
(٤) ليست في النسخ وهى زيادة يقتضيها السياق.