للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لا يخلو إن كان الأمرُ على ما تَأَوَّلوه مِن أحدٍ أمورٍ ثلاثة؛ إما أَن يَكُونَ عطفًا على قوله: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا﴾. وذلك من المُحالِ أن يميتَهم ويأمرَهم وهم موتى بالقتال في سبيلِه. أو يَكونَ عطفًا على قوله: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾. وذلك أيضًا مما لا معنى له؛ لأن قوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. أمرٌ مِن الله بالقتال، وقوله: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ خبرٌ عن فعلٍ قد مضَى. وغيرُ فصيحٍ العطفُ بخبر مستقبَلٍ على خبرٍ ماضٍ، لو كانا جميعًا خَبَرين، لاختلافِ معنَيَيْهما، فكيف عطفُ الأمرِ على خبرٍ ماضٍ؟ أو يَكُونَ معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله. ثم أسقَط القول، كما قال تعالى ذكرُه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ [السجدة: ١٢]. بمعنى: يقولون: ربَّنا أبصَرْنا وسمِعْنا. وذلك أيضًا إنما يَجُوزُ في الموضع الذي يَدُلُّ ظاهرُ الكلام على حاجته إليه، ويَفْهَمُ السامعُ أنه مرادٌ به الكلامُ وإن لم يُذْكَرْ، فأما في الأماكن التي لا دَلالة على حاجة الكلام إليه، فلا وجه لدعوى مدَّعٍ أنه مرادٌ فيها.

القولُ في تأويل قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾.

يعني تعالي ذكرُه بذلك: مَن هذا الذي يُنْفِقُ في سبيل الله، فيُعِينُ مُضْعِفًا (١)، أو يُقَوِّى ذا فاقةٍ أراد الجهادَ في سبيل اللهِ، ويُعْطى منهم مُقْتِرًا. وذلك هو القَرْضُ الحسَنُ الذي يُقْرِضُ العبدُ ربَّه.

وإنما سمّاه الله تعالى ذكرُه قرضًا؛ لأن معنى [القرض إعطاءُ] (٢) الرجل غيرَه مالَه مُملِّكًا له ليَقْضِيَه مثله إذا اقتضاه، فلما كان إعطاءُ (٣) من أعطَى أهل الحاجة والفاقة في


(١) المضعف: الذي ضعفت دابته. اللسان (ض ع ف).
(٢) في ص، ت ١: "من أعطى".
(٣) في ص، ت ١: "أعطى".