للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبيل الله، إنما يُعْطِيهم ما يُعْطيهم من ذلك ابتغاءَ ما وعدَه الله عليه من جزيل الثواب عندَه يومَ القيامة، سماه قرضًا، إذ كان معنى القرض في لغة العرب ما وصَفْنا.

وإنما جعَله تعالى ذكرُه حَسَنًا؛ لأن المُعْطِيَ يُعْطِي ذلك عن نَدْبِ اللَّهِ إِياه، وحثِّه له عليه احتسابًا منه، فهو لله طاعةٌ، وللشياطين (١) معصيةٌ، وليس ذلك لحاجةٍ بالله إلى أحدٍ من خلقِه، ولكنَّ ذلك كقول العرب: عندى لك قرضُ صدقٍ وقرضُ سوءٍ. للأمر تأتى فيه الرجلَ مَسرَّتُه أو مَساءتُه، كما قال الشاعرُ (٢):

كلُّ امرئٍ سوفَ يُجْزَى قرضَه حَسَنًا … أو سَيِّئًا ومَدِينًا بالذِي دَانا

فقرضُ المرء: ما سلف من صالح عملِه أو سيِّئِه.

وهذه الآية نظيرةُ الآية التي قال (٣) فيها تعالى ذِكرُه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٦١].

وبنحو الذي قُلْنا في ذلك كان ابن زِيدٍ يَقُولُ.

حدَّثني يونسُ، قال: أخبرَنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾. قال: هذا في سبيلِ اللَّهِ، ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾. قال: بالواحد سبعُمائة ضِعْفٍ.

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن زيد بن أسلمَ، قال: لما نزَلت: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ


(١) في ص، ت ١، ت ٢: "للسلطان".
(٢) هو أمية بن أبي الصلت، والبيت في ديوانه ص ٤٧.
(٣) بعده في م، ت ١، ت ٢: "الله".