للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه، وإعْراضِهم عن الاستماعِ لهذا القرآنِ؛ لأنه كان شديدًا حِرْصُه (١) على قَبُولِهم منه، والدُّخولِ فيما دَعاهم إليه، حتى عاتَبه ربُّه على شدَّةِ حِرْصِه على ذلك منهم، فقال له: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣]. ثم قال مُؤْيِسَه مِن إيمانِهم، وأنهم هالِكون ببعضِ مَثْلَاتِه، كما هلَك بعضُ الأممِ الذين قَصَّ عليهم قَصَصَهم في هذه السورةِ: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾ يا محمدُ لا عليك، فإنك رجلٌ منهم، ويقولون لك: ما أنت إلا بشرٌ مِثْلُنا، وهَلَّا نزَل به مَلَكٌ. فقرَأ ذلك الأعجمُ عليهم هذا القرآنَ، ولم يَكُنْ لهم عِلَّةٌ يدفَعون بها أنه حقٌّ، وأنه تنزيلٌ مِن عندى ما كانوا به، مُصَدَّقين، فخَفَّضْ مِن حِرْصِك على إيمانِهم به. ثم وكَّد تعالى ذكرُه الخبرَ عما قد حَتَمَ على هؤلاء المشركين الذين آيَسَ نبيَّه محمدًا مِن إيمانِهم - من الشَّقاء والبَلاءِ، فقال: كما حَتَمْنا على هؤلاء أنهم لا يؤمِنون بهذا القرآنِ، ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾، فقرَأه عليهم: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ﴾ التكذيبَ والكفرَ ﴿فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾.

ويعنى بقولِه: "سَلَكْنا": "أدخَلْنا" (٢).

والهاءُ في قولِه: ﴿سَلَكْنَاهُ﴾. كنايةٌ مِن ذكرِ قولِه: ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾. كأنه قال: كذلك أدخَلْنا في قلوبِ المُجرمين تركَ الإيمانِ بهذا القرآنِ.

وبنحوِ الذي قلنا في تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثني حجاجٌ، عن ابن جُرَيجٍ قولَه:


(١) في ت ٢، ف: "حرصهم".
(٢) في ت ٢، ف: "دخلنا".