للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليكم، ليُجازِىَ جميعَكم جزاءَه يومَ الجزاءِ.

واخْتَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾؛ فقَرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ المدينةِ: (وَالَّذِينَ تَدْعُون مِن دُونِه). بالتاءِ على وجهِ الخِطابِ، وقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ الكوفةِ بالياءِ على وجهِ الخبرِ (١).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قِراءَتان مَعْروفَتان، صحيحتا المَعْنَى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ

القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٢١)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه: أو لم يَسِرْ هؤلاء المُقِيمون على شركِهم بالله، المُكَذِّبون رسولَه من قُريشٍ، في البلادِ، ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. يقولُ: فيَرَوْا ما الذي كان خاتمةً أُمَمِ الذين كانوا مِن قبلِهم، من الأُممِ الذين سَلَكوا سبيلَهم؛ في الكفرِ باللهِ وتكذيبِ رُسُلِهِ، ﴿كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾. يقولُ: كانت تلك الأُممُ الذين كانوا مِن قبلِهم، أشَدَّ منهم بطشًا، وأبْقَى في الأرضِ آثارًا، فلم تَنْفَعْهم شِدَّهُ قُواهم، وعِظَمُ أجسامِهم، إذ جاءَهم أمرُ اللهِ، وأخَذَهم بما أجْرَموا مِن مَعاصِيهِ واكْتَسَبوا من الآثامِ، ولكنَّه أبادَ جَمْعَهم، وصارتْ مساكنُهم خاويةً منهم بما ظَلَموا، ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ﴾. يقولُ: وما كان لهم مِن عذابِ اللهِ إذ جاءَهم، مِن واقٍ يَقِيهم، فيَدْفَعَه عنهم.


(١) قرأ نافع وابن عامر: (والذين تدعون). بالتاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾. بالياء، ينظر السبعة لابن مجاهد ص ٥٦٨.