للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. قال: يقولُ: إنك لو اتَّقَيْتَ الله في قُرْبانِكَ تَقَبَّل منك؛ جئت بقربانٍ مغشوشٍ بأشَرِّ ما عندَك، وجئتُ أنا بقربانٍ طيِّبٍ بخيرِ ما عندى. قال: وكان قال: يَتَقَبَّلُ اللهُ منك ولا يَتَقَبَّلُ منى؟

ويَعْنى بقولِه: ﴿مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾: مِن الذين اتَّقَوُا اللَّهَ وخافوه بأداءِ ما كَلَّفهم مِن فرائضِه، واجتنابِ ما نهاهم عنه مِن مَعَاصِيه (١).

وقد قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ: المتقون في هذا الموضعِ الذين اتقَوُا الشركَ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا يحيى بنُ واضحٍ، قال: ثنا عُبيدُ بنُ سليمانَ، عن الضَّحَّاكِ قولَه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾: الذين يتقون الشركَ (٢).

وقد بيَّنا معنى "القُرْبانِ" فيما مضَى (٣)، وأنه الفُعْلانُ مِن قولِ القائلِ: قرَّب. كما "الفرقانُ" "الفُعْلانُ" من: فرَق. و "العُدْوانُ" من: عدَا.

وكانت قرابينُ الأممِ الماضية قبلَ أُمَّتِنا كالصَّدَقَاتِ والزَّكَواتِ فينا، غيرَ أَنَّ قرابينَهم كان يُعْلَمُ المُتَقَبَّلُ منها وغيرُ المتقبَّلِ، فيما ذُكر، بأَكْلِ النارِ ما تُقُبِّل منها، وتَرْكِ النارِ ما لم يُتَقَبَّلْ منها. والقربانُ في أُمتِنا الأعمالُ الصالحةُ؛ مِن الصلاةِ، والصيامِ، والصدقةِ على أهلِ المَسْكنَةِ، وأداءِ الزكاةِ المفروضةِ. ولا سبيلَ لها إلى العلمِ في عاجلٍ بالمُتَقَبَّلِ منها والمَرْدودِ.

وقد ذُكر عن عامرِ بن عبدِ اللَّهِ العَنْبَرِيِّ أنه حينَ حَضَرَتْه الوفاةُ بكَى، فقيل له:


(١) في م: "معصيته".
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ٥٨١، ٥٨٢ من طريق أبي الفيض، عن الضحاك.
(٣) ينظر ما تقدم في ٦/ ٢٨٤.