للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القول في تأويل قوله: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)﴾.

وهذا أيضًا من الكلام الذي فيه متروكٌ اسْتُغْنِي بدلالةِ الظاهرِ عن ذكر ما تُرِك، وذلك أنه تعالى ذكرُه أخبَرَ عن الأمم التي كذَّبَت رسلَها أنه أخَذَهم بالبأساءِ والضَّراءِ ليَتَضَرَّعوا. ثم (١) قال: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾. ولم يُخْبِرُ عما كان منهم مِن الفعل عندَ أخذِه إياهم بالبأساءِ والضراءِ.

ومعنى الكلام: ولقد أَرْسَلْنا إلى أُممٍ من قبلك فأخَذناهم بالبأساءِ والضراءِ لعلهم يتضرَّعون، فلم يَتَضَرَّعوا، فلولا إذ جاءهم بأسُنا تضرَّعوا.

ومعنى ﴿فَلَوْلَا﴾ في هذا الموضع: فهلَّا، والعربُ إِذا أَوْلَتْ "لولا" اسمًا مرفوعًا، جعَلَت ما بعدَها خبرًا، وتلقَّتْها (٢) بالأمرِ، فقالت: لولا أخوك لَزُرْتُك، ولولا أبوك لضرَبْتُك. وإذا أوْلَتْها فعلًا، أو لم تُولِها اسمًا، جعَلوها استفهامًا، فقالوا: لولا جئْتَنا فنُكْرِمَك؟ ولولا زُرْتَ أخاك فنَزُورَك. بمعنى: هلَّا. كما قال تعالى ذكرُه: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ [المنافقون: ١٠]. وكذلك تَفْعَلُ بـ "لوما". مثل فعليها بـ "لولا".

فتأويلُ الكلام إذن: فهلَّا إذ جاء بأسُنا (٣) هؤلاء الأمم المكذِّبةَ رسلَها الذين لم يَتَضَرَّعُوا عندَ أَخْذِناهم بالبأساءِ والضَّرَّاءِ، تضرَّعوا فاسْتَكانوا لربِّهم، وخضَعوا لطاعتِه، فيَصْرِفَ ربُّهم عنهم بأسَه، وهو عذابُه.

وقد بيَّنَّا معنى "البأس" في غيرِ هذا الموضعِ بما أغْنَى عن إعادتِه في


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "به".
(٢) في م: "تلتها".
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.