للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ عيشُكم في الدنيا و (١) تَمَتُّعُكم بها قليلٌ؛ لأنها فانيةٌ وما فيها فانٍ، ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾. يَعْنى: ونعيمُ الآخرةِ خيرٌ؛ لأنها باقيةٌ، ونعيمُها باقٍ دائمٌ. وإنما قيل: ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾. ومعنى الكلامِ ما وصَفتُ مِن أَنه مَعنِيٌّ به نعيمُها؛ لِدلالةِ ذكرِ الآخرةِ بالذي ذُكِرَت به، على المعنى المرادِ منه، ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾. يَعْنى: لمن اتقى الله بأداء فرائضِه، واجتنابِ معاصِيه، فأطاعه في كلِّ ذلك، ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾. يَعْنى: ولا يَنْقُصَنَّكم اللهُ مِن أجورِ أعمالِكم فتيلًا، وقد بيَّنَّا معنى الفَتيلِ فيما مضَى بما أغْنى عن إعادتِه ههنا (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤه: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾.

قال أبو جعفرٍ : يَعْنى جلَّ ثناؤُه: حيثما تَكُونُوا يَنَلْكم الموتُ فتَمُوتوا، ولو كنتم في بروجٍ مشيَّدةٍ، يَقُولُ: فلا تَجْزَعُوا مِن الموتِ، ولا تَهْرُبُوا مِن القتالِ وتَضْعُفوا عن لقاءِ عدوِّكم؛ حذَرًا على أنفسِكم مِن القتلِ والموتِ، فإن الموتَ بإزائِكم أينَ كنتم وواصِلٌ إلى أنفُسِكم حيثُ كنتم، ولو تحصَّنتم منه بالحصونِ المنيعةِ.

واختلفَ أهلُ التأويلِ في معنى قولِه. ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾؛ فقالَ بعضُهم: يَعْنى قُصورًا محصَّنةً.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ


(١) في الأصل: "أو".
(٢) تقدم في ص ١٢٩ - ١٣٣.