اخْتَلف أهلُ التأويلِ فى تأويلِ ذلك؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: يا أيها الذين آمَنوا أَوْفوا بالعقودِ غيرَ مُحِلِّى الصيدِ وأنتم حُرُمٌ، أُحِلَّت لكم بهيمةُ الأنعامِ.
فذلك على قولِهم من المؤخَّرِ الذى معناه التقديمُ، و فـ ﴿غَيْرَ﴾ منصوبٌ، على قولِ قائلى هذه المقالةِ، على الحالِ مما في قولِه: ﴿أَوْفُوا﴾ من ذكرِ "الذين آمَنوا".
وتأويلُ الكلام على مذهبِهم: أوْفُوا أيها المؤمنون بعقودِ اللهِ التي عقَدها عليكم في كتابِه، لا مُحِلِّين الصيدَ وأنتم حُرُمٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ الوحشيَّةِ من الطَّبَاءِ والبقرِ والحُمُرِ، ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾، غير مستحلِّى اصطيادِها، ﴿وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾، إلا ما يُتْلَى عليكم. فـ ﴿غَيْرَ﴾ على قولِ هؤلاء منصوبٌ على الحالِ من الكافِ والميم اللتين في قولِه: ﴿لَكُمْ﴾ بتأويل: أُحِلَّت لكم أيها الذين آمنوا بهيمةُ الأنعامِ لا مستحلِّى اصطيادِها في حالِ إحرامِكم.
وقال آخرون: معنى ذلك: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ﴾ كلّها، ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾، إلا ما كان منها وحشيًّا، فإنه صيدٌ فلا يحِلُّ لكم وأنتم حُرُمٌ. فكأَنَّ قال ذلك وجَّه الكلامَ إلى معنى: أُحِلَّت لكم بهيمةُ الأنعامِ كلِّها (١)، إلا ما يُبيِّنُ لكم من وحشيِّها، غيرَ مستحلِّى اصطيادِها فى حالِ إحرامِكم. فتكونُ ﴿غَيْرَ﴾ كل منصوبةً - على قولِهم - على الحالِ من الكافِ والميمِ في قولِه: ﴿إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾.