للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هم عليه مُنْطَوُون للمؤمنين، مما (١) يَكْتُمونه ولا يُبْدُونه لهم مِن الغشِّ والغِلِّ الذي في صدورِهم لهم.

القولُ في تأويلِ قولِه جل ثناؤه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾.

قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ ﵀: وهذا تَقَدُّمٌ مِن اللهِ تعالى ذكرُه إلى عبادِه المؤمنين به وبرسولِه، أن يَفْعَلوا فعلَ الذين سَعَوا إلى رسولِ اللهِ ﷺ في أمرِ بنى أبَيْرِقٍ، أن يقومَ بالعُذْرِ لهم في أصحابِه، وذَبَّهم عنهم، وتَحْسينَهم أمرَهم؛ بأنهم أهلُ فاقةٍ وفَقْرِ، يقولُ اللهُ لهم: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾. يقولُ: لِيَكُنْ مِن أخلاقِكم وصفاتِكم القيامُ بالقسطِ. يعنى: بالعَدْلِ. ﴿شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾. والشهداءُ: جمعُ شهيدٍ. ونُصِبَت الشهداءُ على القَطْعِ مما في قولِه: ﴿قَوَّامِينَ﴾. مِن ذكرِ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾. ومعناه: قُوموا بالقِسْطِ للهِ عندَ شهادتِكم. أو حينَ شهادتِكم. ﴿وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾. يقولُ: ولو كانت شهادتُكم على أنفسِكم، أو على والدَين لكم، أو أقْرَبيكم، فقُوموا فيها بالقسطِ والعدلِ، وأقِيموها على صحتِها، بأن تقولوا فيها الحقَّ، ولا تَمِيلُوا فيها لغنيٍّ لِغِناه على فقيرٍ، ولا لفقيرٍ لفَقْرِه على غَنيٍّ، فتَجُوروا؛ فإن الله الذي سَوَّى بينَ حُكْمِ الغنيِّ والفقيرِ فيما ألزَمكم، أيُّها الناسُ، مِن إقامةٍ الشهادةِ لكلِّ واحدٍ منهما بالعَدْلِ ﴿أَوْلَى بِهِمَا﴾ وأحقُّ منكم؛ لأنه مالِكُهما [وإلهُهما، دونَكما] (٢)، فهو أعلمُ بما فيه مصلحةُ كلِّ واحدٍ منهما في ذلك، وفى غيرِه مِن الأمورِ كلِّها منكم، فلذلك أمَركم


(١) في الأصل: "بما"، وفى م، ت ٢: "فيما"، وفى ت ١، س: "ما".
(٢) في م: "وأولى بهما دونكم".