للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: وكلُّ هذه القراءات الثلاث متقارباتُ المعانى، وذلك أن الملائكةَ إذا نَزَّلها الله على (١) رسولٍ من رسلِه، تَنزَّلَت إليه، وإذا تنزلت إليه، فإنما تَنْزِلُ بإنزالِ اللَّهِ إياها إليه. فبأيِّ هذه القراءات الثلاثِ قرأ ذلك القارئُ، فمصيبٌ الصواب في ذلك، وإن كنتُ أُحِبُّ لقارئِه ألا يَعْدُو في قراءته إحدى القراءتين اللتين ذكَرت من قراءة أهل المدينة، والأخرى التي عليها جمهور قرأة الكوفيين؛ لأن ذلك هو القراءةُ المعروفة في العامة؛ والأُخرى - أعنى قراءة من قرَأ ذلك: (ما تُنَزَّلُ). بضمِّ التاءِ مِن "تُنَزَّلُ" ورفعِ "الملائكةِ" - شاذّةٌ (٢)، قليلٌ من قرَأ بها (٣).

فتأويل الكلام: ما نُنَزِّلُ ملائكتَنا إلا بالحقِّ. يعنى بالرسالة إلى رُسُلنا، أو بالعذاب لمن أردنا تعذيبَه، ولو أرسلنا إلى هؤلاء المشركين على ما يَسْأَلون إرسالهم معَك آيةً فكفَروا، لم يُنظروا فيؤخَّروا بالعذابِ، بل عُوجِلوا به، كما فعلنا ذلك بمَن قبلهم من الأمم حين سألوا الآياتِ، فكفَروا حين أتتهم الآيات، فعاجلناهم بالعقوبة.

وبنحو الذي قُلْنا في تأويل قوله: ﴿مَا نُنَزَّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾. قال أهلُ التأويل.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدثني محمد بن عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمدٍ، قال: ثنا شبابةُ، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، جميعا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد في قوله: ﴿مَا نُنَزَّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾. قال:


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "إلى".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢ ف: "شاذ".
(٣) القراءة بذلك ليست شاذة، بل متواترة.