للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلسانِي وقلبِي وجميعِ جَوارحِي.

وإنما خصَّ جلّ ذكرُه بأمرِه بأن يقولَ: ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾. لأن الوَجْهَ أكرمُ جَوارح ابن آدمَ عليه، وفيه بهاؤُه وتَعْظيمُه، فإذا خضَع وجهُه لشيءٍ (١)، فقد خضَع له الذي هو دونَه في الكرامِة عليه مِن جَوارحِ بدنِه.

وأمَّا قولُه: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾. فإنه يَعنى: وأسلَم مَن اتَّبَعنى أيضًا وجهَه للهِ معِي، و ﴿وَمَنِ﴾ معطوفٌ بها على التاءِ في ﴿أَسْلَمْتُ﴾.

كما حدَّثنا ابن حُمَيدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن ابن إسحاقَ، عن محمدِ بن جعفرِ بن الزُّبيرٍ: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ﴾ أي: بما يأتُونك به مِن الباطلِ مِن قولِهم: خلَقنا، وفعَلنا، وجعَلنا، وأمَرنا. فإنما هي شُبَهٌ باطِلةٌ، قد عرَفوا ما فيها مِن الحقِّ، ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ (٢).

القولُ في تأويلِ قولِه: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾.

يَعنى بذلك جلّ ثناؤه: ﴿وَقُلْ﴾ يا محمدُ ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ من اليهودِ والنصارَى، ﴿وَالْأُمِّيِّينَ﴾ الذين لا كتابَ لهم من مشركي العربِ: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾؟ يقولُ: قل لهم: هل أفرَدْتم التوحيدَ، وأخلَصتُم العبادةَ والألوهةَ لربِّ العالمينَ، دونَ سائرِ الأندادِ والأشراكِ (٣) التي تُشْرِكونها معه في عبادتِكم إيَّاهم، وإقرارِكم بربوبيتِهم، وأنتم تعلَمون أنه لا ربَّ غيرُه،


(١) في ص، ت ١: "بشيء".
(٢) ينظر سيرة ابن هشام (١/ ٥٧٧).
(٣) الأشراك: جمع شريك. تهذيب اللغة (١٠/ ١٧).