للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم ظالمًا مُعْتَدِيًا (١)، جائرًا عن قصدِ سبيل الحقِّ، فهو إعلامٌ من اللهِ تعالَى ذكرُه لإبراهيمَ أنَّ مِن ولدِه من يُشرِكُ به، ويَزولُ (٢) عن قصدِ السبيلِ، ويَظلِمُ نفسَه وعبادَه.

كالذى حدثنى إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بنِ حبيبِ بنِ الشهيدِ، قال: ثنا عَتّابُ بنُ بشرٍ، عن خُصَيفٍ، عن مجاهدٍ فى قولِه: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. قال: إنه سيكونُ فى ذرّيتِك ظالمون (٣).

وأما نَصْبُ ﴿الظَّالِمِينَ﴾، فلأن العهدَ هو الذى لا يَنالُ الظالمينَ. وقد ذُكر أنه فى قراءةِ ابنِ مسعودٍ: (لا يَنَالُ عَهْدِى الظالمون) (٤). بمعنى أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهدَ اللهِ.

وإنما جاز الرفعُ فى ﴿الظَّالِمِينَ﴾ والنصبُ، وكذلك فى "العهدِ"، لأن كلَّ ما نال المرءَ فقد ناله المرءُ. كما يقالُ: نالنى خيرُ فلانٍ، ونِلْتُ خيرَه. فيُوجَّهُ الفعلُ مرةً إلى الخيرِ، ومرةً إلى نفسِه.

وقد بيّنّا معنى الظُّلمِ فيما مضَى فكَرِهْنا إعادتَه (٥).

القول فى تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾.

أما قولُه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ﴾. فإنه عطَف بـ ﴿إِذْ﴾ على قولِه: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾. وقولُه: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾. معطوفٌ على قولِه: ﴿يَابَنِي


(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "متعديا".
(٢) فى م: "يجور".
(٣) أخرجه سعيد بن منصور فى سننه (٢١٢ - تفسير) من طريق عتاب بن بشر به.
(٤) ينظر تفسير القرطبى ٢/ ١٠٨.
(٥) ينظر ما تقدم فى ١/ ٥٥٩.