للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بربِّه، العاصي له، المخالفُ أمرَه، ﴿قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾. يقول جل ثناؤه: قليلا ما تتذكَّرون أيها الناسُ حُجَجَ الله، فتعتبرون وتتَّعظون. يقولُ: لو تَذَكَّرتم آياته واعتبرتم، لعرفتم خطأ ما أنتم عليه مقيمون من إنكاركم قدرة الله على إحيائه من فَنِيَ من خلقه من بعدِ الفَناءِ، وإعادته (١) لحياتهم من بعد وفاتهم، وعلمتم قُبْحَ شرككم من تُشْرِكون في عبادة ربِّكم.

واختلفت القرأة في قراءة قوله: ﴿تَتَذَكَّرُونَ﴾؛ فقرأت ذلك عامة قرأة المدينة والبصرةِ: (يَتَذَكَّرون) بالياء على وجه الخبر (٢). وقرأته عامة قرأة الكوفة: ﴿تَتَذَكَّرُونَ﴾ بالتاءِ على وجه الخطاب (٣)، والقولُ في ذلك عندنا أن القراءة بهما صوابٌ.

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)﴾.

يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يُحيى الله فيها الموتى للثواب والعقاب لجائيةٌ أيُّها الناسُ، لا شكَّ في مجيئها. يقولُ: فأيقنوا بمجيئها، وأنكم مبعوثون من بعدِ مماتكم، ومُجازَوْن بأعمالكم، فتوبوا إلى ربِّكم، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. يقولُ: ولكن أكثر قريشٍ لا يُصَدِّقون بمجيئِها.

وقوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. يقول تعالى ذكره: يقولُ ربُّكم أيها الناسُ لكم: ﴿ادْعُونِي﴾. يقولُ: اعبدوني وأخلصوا لي العبادةَ، دونَ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "إعادتهم".
(٢) هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب. النشر ٢/ ٢٧٣.
(٣) هي قراءة عاصم وحمزة والكسائى وخلف. المصدر السابق.