للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذ كان ذلك كذلك، فتأويلُ الآيةِ: وإن يَرَ هؤلاء المشركون يا محمدُ كلَّ آيةٍ لا يُؤْمِنوا بها، حتى إذا جاءوك يُجادِلونك يقولون: إنْ هذا الذي جئْتَنا به إلا أحاديثُ الأوَّلِين وأخبارُهم. وهم يَنْهَون عن استماع التنزيل، ويَنْأَوْنَ عنك، فيَبْعُدون منك ومِن اتباعِك، ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾. يقولُ: وما يُهْلِكون بصدِّهم عن سبيلِ اللهِ، وإعراضِهم عن تنزيلِه، وكفرِهم بربِّهم إلا أنفسَهم لا غيرَها؛ وذلك أنهم يُكْسِبونها بفعلهم ذلك سَخَطَ اللَّهِ وأليمَ عقابِه، وما لا قِبَلَ لها به، ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾. يقولُ: وما يَدْرُون ما هم مُكْسِبوها مِن الهلاكِ والعَطَب بفعلِهم.

والعربُ تقولُ لكلِّ مَن بعُد عن شيءٍ: قد نأَى عنه، فهو يَنْأَى نَأْيًا. ومَسْموعٌ منهم: نأيْتُكَ. بمعنى: نأَيْتُ عنك. وأما إذا أرادوا: أبْعَدْتُك عنى. قالوا: أَنْأَيْتُك. ومِن: نأَيْتُك. بمعنى: نأيْتُ عنك. قولُ الحُطيْئةِ (١).

نَأَتكَ أُمَامَهُ إلا سُؤالَا … وأَبْصَرْتَ منها بطَيْفٍ (٢) خَيَالَا (٣)

القولُ في تأويلِ قولِه عز ذكرُه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧)﴾.

يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يا محمدُ هؤلاء العادِلين بربِّهم الأصنامَ والأوثانَ، الجاحَدِين نبوّتَك، الذين وصَفْتُ لك صفتَهم ﴿إِذْ وُقِفُوا﴾. يقولُ: إذ حُبسوا ﴿عَلَى النَّارِ﴾: يعنى: في النار. فوُضِعَت "على" موضعَ "في"، كما قال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ [البقرة: ١٠٢].


(١) ديوانه ص ٢١٤.
(٢) في نسخة مِن الديوان: "بغيب"، وفي نسخة: "بعين".
(٣) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب، قال: قال عطاء بن دينار في قول الله تعالى ذكره: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ إنها نزلت في أبي طالب، كان ينهى الناس عن رسول الله صلى الله عليه سلم، وينأى عما جاء به". وهو تكرار للأثر المتقدم في ص ٢٠٥.